السياسية

اربيل تطالب بالمال وبغداد تتهمها بالسرقة.. الأزمة المالية تشعل معركة الرواتب بين المركز والإقليم

يشهد العراق تراشقا علنيا بين السلطات الاتحادية في بغداد وإدارة المنطقة الكردية شبه المستقلة في أربيل بشأن رواتب الموظفين، في مشهد يعكس عمق الأزمة المالية التي يعانيها العراق بسبب تدني أسعار النفط من جهة وتفشي وباء كورونا وما خلّفه من آثار سلبية على اقتصاديات الدول من جهة ثانية.


وعبّرت حكومة إقليم كردستان العراق عن “استيائها الشدید تجاه مماطلة الحكومة الاتحادية في إرسال الرواتب”، فيما ردت الحكومة الاتحادية في بغداد معبّرة عن استغرابها من الموقف الكردي من “نتائج المباحثات المتعلقة بالدفوعات المالية وتنظيم الواردات والمنافذ الحدودية بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم”، متهمة السلطات الكردية بشكل غير مباشر بسرقة رواتب موظفيها التي تأتي من بغداد.


وتريد بغداد أن تضع يدها على أكبر قدر من المصادر الجاذبة للأموال في المنطقة الكردية، كالضرائب وعوائد المنافذ الحدودية وغيرها، قبل أن تدفع رواتب الموظفين العاملين ضمن حكومة إقليم كردستان، وهو ما ترفض السلطات الكردية القبول به.


وبعد اجتماع عقدته الأربعاء عبر دائرة تلفزيونية قالت حكومة الإقليم الكردي إنها “لم تُبقِ أي مسوّغ دستوري أو قانوني أو إداري أو مالي إلا وقدمته خلال المباحثات من أجل التوصل إلى اتفاق، وقد وافق الإقليم على جميع شروط الحكومة الاتحادية في إطار الدستور غير أن الحكومة الاتحادية، وللأسف، لم تبدِ منذ أكثر من ثلاثة أشهر أي استعداد لإرسال الجزء الذي كانت ترسله من الرواتب، مما أدى إلى عدم تمكن حكومة الإقليم من صرف المستحقات المالية لمن يتقاضون الرواتب”.


وترى السلطات الكردية أن إقليم كردستان “شأنه في ذلك شأن كافة الأجزاء الأخرى من العراق، تمنحه القوانين النافذة في العراق حق استلام رواتب موظفيه، إذ لا يجب التمييز بين مواطني الإقليم وباقي أجزاء البلاد ولاسيما في موضوع الرواتب، وهذا حق دستوري”، معبرة عن استيائها “إزاء الموقف السلبي للحكومة الاتحادية”.


ودعت حكومة الإقليم “الحكومة الاتحادية للتجاوب مع المساعي الجادة التي تبذلها” أربيل “بهدف حسم المشاكل جذريا بموجب الدستور، بما يضمن احترامها للحقوق والمستحقات الدستورية والإيفاء بالتزاماتها الدستورية تجاه الإقليم”.


وطالبت حكومة الإقليم رئيس الجمهورية برهم صالح (كردي) والوزراء وممثلي إقليم كردستان في مجلس النواب، بـ”الدفاع عن الحقوق والمستحقات المالية والدستورية لشعب إقليم كردستان”.


لكن وزارة المالية الاتحادية ردت بأن ما ترسله من رواتب إلى موظفي كردستان لا يصل إلى مستحقيه، في اتهام غير مباشر للأطراف السياسية الكردية بسرقة المال العام.


وفشلت بغداد وأربيل منذ 2003 في بناء اتفاقات ثابتة بشأن شكل العلاقة بين المركز والإقليم وآلية اقتسام الثروات والسيطرة على الموارد والمنافذ وتوزيع العوائد المالية.


ورغم العلاقة الشخصية الوثيقة التي تربط رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي بمسعود البارزاني زعيم أكبر الأحزاب الكردية، وهو الديمقراطي الكردستاني الذي يهيمن على منصبي رئيس الحكومة ورئيس الإقليم في كردستان العراق، إلا أن التوترات بشأن الرواتب تصاعدت بين بغداد وأربيل مؤخرا.


وبموجب اتفاق يعود إلى عهد حكومة رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي أبرمه تحديدا وزير النفط في حينه عادل عبدالمهدي، يتوجب على أربيل أن تسلم بغداد يوميا 250 ألف برميل نفط منتجة في الأراضي الكردية على أن تتولى الحكومة الاتحادية تغطية نفقات الإقليم، بما في ذلك رواتب موظفيه.


لكن عقودا أبرمت مع شركات أجنبية في ظروف غامضة، رهنت النفط الكردي لسنوات عديدة قادمة، ما يحد من قدرات سلطات الإقليم على التصرف فيه مباشرة.


لذلك، جرى تعديل الاتفاق بين بغداد وأربيل لاحقا، ليستمر على أساس احتساب قيمة المئتين وخمسين ألف برميل يوميا ثم اقتطاعها لاحقا من حصة المنطقة الكردية التي ترد في الموازنة الاتحادية السنوية.


واستمر العمل بهذا الاتفاق حتى شتاء العام 2017 عندما أصر البارزاني على إجراء استفتاء بين سكان المنطقة الكردية بشأن رغبتهم في الانفصال عن العراق ما دفع حكومة العبادي إلى قطع جميع الرواتب عن كردستان ومحاصرتها عسكريا.


ومن بين الخسائر التي تكبدها البارزاني بسبب إصراره على الاستفتاء آنذاك هو اضطراره للتجاوب مع بغداد التي تريد السيطرة جزئيا على المنافذ البرية بين المنطقة الكردية وكل من تركيا وإيران، فضلا عن مطاري أربيل والسليمانية.


وأملت حكومة كردستان في تعديل الاتفاق مع بغداد بشأن السيطرة على المنافذ والمطارات وقطع صلة هذا الملف بقضية دفع رواتب موظفي الإقليم مع الحكومة السابقة بقيادة صديقها عادل عبدالمهدي من دون أن تحرز أي تقدم.


وعندما تسلم الكاظمي مقاليد الحكومة العراقية توقع كثيرون أن تُحسم الخلافات بين بغداد وأربيل، نظرا للصداقة العميقة التي تربط رئيس الوزراء بالبارزاني، لكن انهيار أسعار النفط بالتزامن مع تفشي وباء كورونا ضرب عوائد النفط العراقية في مقتل، منحدرا بها إلى ما دون الثلث عن معدلها العام.


ودفع هذا الوضع بغداد إلى البحث عن موارد تساعد النفط في تغذية الخزينة العامة، ما وضع عوائد المنافذ الحدودية والمطارات والموانئ في صدارة قائمة اهتماماتها.


وتسيطر السلطات الكردية على أكبر منفذين بريين للعراق مع تركيا وإيران، ولا تدفع للحكومة الاتحادية من عوائدهما الكبيرة جدا أي شيء، كما يملك الإقليم مطارا في أربيل وآخر في السليمانية، يسيّران رحلات منتظمة إلى تركيا والخليج وأوروبا ودول أخرى عديدة ويدرّان الملايين من الدولارات التي لا تحصل بغداد منها على شيء.


ويعتقد مراقبون أن أفضل ما حققته بغداد في صلتها بالمنطقة الكردية جاء في العام الأخير من حكومة العبادي التي فرضت شراكة اتحادية كاملة في إدارة منافذ ومطارات الإقليم، وأن كل ما حدث بعد ذلك هو تنصل تدريجي من قبل أربيل من الالتزام ببنود حيوية ضمن اتفاقية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى