مقالات

الابتدائية‭ ‬والوزير‭ ‬المقبل

فاتح‭ ‬عبد‭ ‬السلام‭

‬المدارس‭ ‬الابتدائية‭ ‬هي‭ ‬الأساس،‭ ‬لكنه‭ ‬أساس‭ ‬واهن‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬العراقي،‭ ‬لا‭ ‬يجد‭ ‬أي‭ ‬اهتمام‭ ‬من‭ ‬القائمين‭ ‬على‭ ‬مسؤولية‭ ‬وزارة‭ ‬التربية‭. ‬هناك‭ ‬تجاهل‭ ‬متعمد،‭ ‬لعل‭ ‬أسبابه‭ ‬ودوافعه‭ ‬ليس‭ ‬الإهمال‭ ‬وعدم‭ ‬الكفاءة‭ ‬فقط،‭ ‬وإنّما‭ ‬الرغبة‭ ‬في‭ ‬تكريس‭ ‬التجهيل‭ ‬بدل‭ ‬التربية‭ ‬والتعليم‭ ‬واستخدام‭ ‬هذا‭ ‬القطاع‭ ‬للمنافع‭ ‬السياسية‭ ‬والفساد‭.‬الصفوف‭ ‬التي‭ ‬تضم‭ ‬تسعين‭ ‬تلميذاً‭ ‬او‭ ‬تلميذة،‭ ‬من‭ ‬شبه‭ ‬المستحيل‭ ‬ان‭ ‬يستقيم‭ ‬فيها‭ ‬التعليم،‭ ‬فالحصة‭ ‬الدراسية‭ ‬ذات‭ ‬الخمسين‭ ‬دقيقة‭ ‬لا‭ ‬تمنح‭ ‬من‭ ‬اهتمام‭ ‬المعلمين‭ ‬بضع‭ ‬ثوان‭ ‬لكل‭ ‬تلميذ‭. ‬وهذا‭ ‬التفصيل‭ ‬الصغير‭ ‬بين‭ ‬مئات‭ ‬لا‭ ‬احد‭ ‬معني‭ ‬به‭ .‬الزرع‭ ‬الأساس‭ ‬هو‭ ‬في‭ ‬المرحلة‭ ‬الابتدائية،‭ ‬ومعلمو‭ ‬هذا‭ ‬المستوى‭ ‬في‭ ‬المدارس‭ ‬بحاجة‭ ‬الى‭ ‬اهتمام‭ ‬خاص‭ ‬أيضاً‭ ‬من‭ ‬نواح‭ ‬مادية‭ ‬ومعنوية‭ ‬وتحفيزية‭ ‬لكي‭ ‬تكون‭ ‬هناك‭ ‬ديمومة‭ ‬في‭ ‬عطائهم‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬نوعي،‭ ‬ولرفع‭ ‬مستويات‭ ‬غير‭ ‬المؤهلين‭ ‬للتربية‭ ‬والتدريس‭ ‬عبر‭ ‬الدورات‭ ‬والمتابعة‭ ‬التفتيشية‭ ‬والتقارير‭ ‬العلمية‭ ‬الصحيحة‭ ‬التي‭ ‬تهدف‭ ‬الى‭ ‬تشخيص‭ ‬الخلل‭ ‬ومعالجته‭.‬مدارس‭ ‬الاقضية‭ ‬والنواحي‭ ‬والقصبات‭ ‬في‭ ‬أغلبيتها‭ ‬خارجة‭ ‬عن‭ ‬اهتمام‭ ‬المديريات‭ ‬العامّة‭ ‬للتربية،‭ ‬وما‭ ‬يصل‭ ‬من‭ ‬مشاكلها‭ ‬الى‭ ‬المديرين‭ ‬العامّين‭ ‬هو‭ ‬النزر‭ ‬اليسير،‭ ‬لأنّ‭ ‬الزيارات‭ ‬التفقدية‭ ‬لواقع‭ ‬تلك‭ ‬المدارس‭ ‬شبه‭ ‬معدومة‭.‬كما‭ ‬انّ‭ ‬الجهات‭ ‬الإدارية‭ ‬المسؤولة‭ ‬في‭ ‬مجالس‭ ‬المحافظات‭ ‬نراها‭ ‬دائماً‭ ‬قد‭ ‬رفعت‭ ‬يدها‭ ‬عن‭ ‬إيلاء‭ ‬العناية‭ ‬للمدارس‭ ‬بحجة‭ ‬انها‭ ‬تابعة‭ ‬لوزارة‭ ‬التربية،‭ ‬وهذه‭ ‬الوزارة‭ ‬مثل‭ ‬كسيح‭ ‬لا‭ ‬يرى‭ ‬ابعد‭ ‬من‭ ‬قدميه‭. ‬انها‭ ‬مناسبة‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الأيام‭ ‬لتكليف‭ ‬مَن‭ ‬هو‭ ‬يستحق‭ ‬نيل‭ ‬منصب‭ ‬وزير‭ ‬التربية‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬الوقوع‭ ‬في‭ ‬محاصصات‭ ‬وتوافقات‭ ‬الفساد‭ ‬المعهودة،‭ ‬والمعركة‭ ‬ضد‭ ‬الفساد‭ ‬في‭ ‬التربية‭ ‬هي‭ ‬مسؤولية‭ ‬سيتحملها‭ ‬في‭ ‬سجل‭ ‬التاريخ‭ ‬أصحاب‭ ‬المناصب‭ ‬السيادية‭ ‬أيضا‭ ‬وليس‭ ‬الوزير‭ ‬المختص‭ ‬وحده‭.‬هذا‭ ‬الجيل‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬تحصينه‭ ‬في‭ ‬الحلقات‭ ‬العليا،‭ ‬وعندما‭ ‬يبلغ‭ ‬المرحلة‭ ‬الجامعية،‭ ‬ذلك‭ ‬انّ‭ ‬البدايات‭ ‬الصحيحة‭ ‬وحدها‭ ‬يمكن‭ ‬التأسيس‭ ‬عليها‭ ‬والتقدم‭ ‬الى‭ ‬امام‭.‬ثروة‭ ‬البلاد‭ ‬الجوهرية‭ ‬في‭ ‬الطاقة‭ ‬البشرية‭ ‬في‭ ‬المدارس‭ ‬الابتدائية،‭ ‬ومَن‭ ‬يهدرها‭ ‬عبر‭ ‬منح‭ ‬المناصب‭ ‬التربوية‭ ‬لمَن‭ ‬ليس‭ ‬كفؤاً‭ ‬لها،‭ ‬انما‭ ‬هو‭ ‬يهدر‭ ‬الثروة‭ ‬التي‭ ‬تتفوق‭ ‬على‭ ‬النفط‭ ‬وما‭ ‬تدره‭ ‬طبيعة‭ ‬العراق‭ ‬من‭ ‬خيرات،‭ ‬بل‭ ‬ان‭ ‬المفرط‭ ‬بهذه‭ ‬الثروة‭ ‬مخرب‭ ‬خطير‭ ‬يجب‭ ‬ابعاده‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬بناء‭ ‬المجتمع‭.‬‭ ‬منصب‭ ‬وزير‭ ‬التربية،‭ ‬لا‭ ‬تكفي‭ ‬صاحبه‭ ‬ان‭ ‬يمتلك‭ ‬شهادة‭ ‬دكتوراه،‭ ‬ليتبجح‭ ‬السياسيون‭ ‬في‭ ‬انهم‭ ‬صنعوا‭ ‬حكومة‭ ‬تكنوقراط‭ ‬في‭ ‬معرض‭ ‬اكاذيبهم‭ ‬المعتادة،‭ ‬فالمنصب‭ ‬ربما‭ ‬يليق‭ ‬بتربوي‭ ‬متقاعد‭ ‬كمدير‭ ‬تربية‭ ‬او‭ ‬مدير‭ ‬مدرسة‭ ‬مخضرم‭ ‬،‭ ‬مخلص‭ ‬لهذا‭ ‬القطاع‭ ‬وحريص‭ ‬على‭ ‬تقديم‭ ‬الخدمة‭ ‬ومعالجة‭ ‬الخلل‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬مساومات‭ ‬سياسية‭.‬‭ ‬اختيار‭ ‬الوزير‭ ‬المقبل‭ ‬اختبار‭ ‬آخر‭ ‬لبوصلة‭ ‬الوضع‭ ‬العام‭ ‬للبلد‭.‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى