مقالات

البرامج الساخرة .. انتقاد للفساد وقبض من الفاسدين


الكاتب علي البغدادي

سُخْـرِيَّةٌ يَا أَيُّهَــا الْمَـرَدَة هَـذَا النَّهْيِقُ عَتَادُكُمْ وَعِدَة

إِنْ تَلْمِزُونَا كُلَّ حِيْنٍ أَنَّنَا نَحْنُ الْأُسودُ وَكُنْتُمُ الْقِرْدَة

في بلدان العالم المحتضرة يلجأ الفنانون إلى معالجة قضايا المجتمع بطرق متعددة ومنذ غابر الأزمان والدهور، ولعل القارئ قد سمع أو قرأ كتاب أرسطو المسمى بالشعر، إذ إنه تناول فيه المسرحيات بشقيها التراجيدي والكوميدي وأغراضهما.

إن استخدام الكوميديا في الأعمال الدرامية منذ القدم التي أشار إليها أرسطو لم يكن اعتباطاً، ولا من أجل أن يجعل الكاتب أو الممثل نفسه مسخرة يشبه بعض الحيوانات التي تثير الضحك والسخرية لدى من يشاهد حركاتها “البهلوانية”، إنما الكوميديا إحدى الأدوات التي يتوسل بها الأديب والفنان إلى جعل الناس تنبذ فكرة ما أو خلق أو سلوكٍ سيِّئ، وبهذا فهي من الوسائل المهمة في الأعمال الدرامية لإقناع الجمهور.

الكل يعلم أن مساحة الحرية التي تنفسها العراقيون بعد سقوط النظام الدكتاتوري هي مساحة واسعة، بل قد تصل إلى حد غير معقول واستغلالها لأغراض في غير مصلحة المواطن، بل من أجل تسقيط الدولة من الداخل وتهديمها والتعدي على قيم المجتمع، لا غرو فقد تضرَّر الكثيرون من الوضع الحالي ممن كانوا يرتبطون بالنظام المقبور وأجهزته القمعية وأجنحته المالية، وما أظن أن سماسرة الابتزاز الذين كانوا يقترفون عمليات غسيل الأموال لنجلي الطاغية وزوجته وابنته يغيب عنكم؛ فقد أشار إليهم رئيس مجلس النواب قبل أشهر في لقاء تلفازي لا يقبل الشك.

إن تعاضد بعض وسائل الإعلام مع الفساد والإرهاب أمرٌ لا يمكن إنكاره، فإذا كان جهاز المخابرات والأمن الوطني كشفوا صلة بعض وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي بالإرهاب، فإن هيئة النزاهة لديها الأدلة الدامغة على تعاضد بعض تلك القنوات مع شخصيات في أحزاب وكتل تورَّط بعض أعضائها في عمليات فساد كبيرة استطاعت الهيئة التحقيق معهم وإحالة ملفاتهم إلى القضاء؛ فصدرت أحكام قضائية بإدانتهم؛ لتسببهم باختلاس أو هدر مئات المليارات من الدنانير.

كما أسلفنا أن الكوميديا ليست مسخرة، ولا إيراد ألفاظ نابية وفاحشة تُعَدُّ تعدِّياً على المنظومة القيمية والأخلاقية للمجتمع وتسويغها بمختلف التسويغات الفارغة كما يحصل في برنامجي (ولاية بطيخ) و (البشير شو) اللذين يعرف القريبون من الوسط الفني والإعلامي الجهات الفاسدة الممولة لهما بل ومقدار ما يُدْفَعُ لهما والتوجهات الفكرية والسياسية التي تقف خلفهما بعد أن حلا محل(استوديو التاسعة)، وتعمُّدهما إغفال أي جانبٍ مشرقٍ في العراق ومساسهما بقيم المجتمع وتوهين وتحقير مؤسَّسات الدولة بأسلوبٍ سوقيٍّ مستهترٍ، ولحق بهما البرنامج الدرامي (بنج عام) الذي أساء كثيراً لعدة فئات في المجتمع، وما الدعاوى القضائية التي رفعها بعض الإخوة الايزيديين ضده عنا ببعيد.

في الساعة الحادية عشرة من مساء الخميس الموافق (7/5/2020) عرضت قناة (UTV) الفضائية حلقة من البرنامج الدرامي الكوميدي الموسوم (بنج عام) وقد تناول في الجزء الثاني من الحلقة حال دوائر الدولة وتفشي الرشوة فيها حمل المقطع عنوان (النزاهة تزيِّد البوگ)، وفي أثناء ذلك يدخل “مبعوث النزاهة الدائم”!! (حسب تعبير البرنامج) ليراقب عمل الدائرة، فإذا به يستغرق بالعبث بالهاتف النقال ويعطيه الموظف الفاسد جزءاً من الرشاوى التي يتلقاها ويخبر الموظف المرتشي المراجعين أن جزءاً من الرشوة لي والبقية لموظف النزاهة، ويضع موظف النزاهة في موقف كاركاتيري مضحك، ثم يعرض مرتبة العراق في تقارير منظمة الشفافية الدولية، ويفتري على الهيئة بأنها نشرت تقريراً سنوياً من ضمن ما احتواه أنها ضبطت ممرضة أخذت رشوة بـ(25) ألف دينار وموظفاً في دائرة الجنسية بينما تترك الفاسدين الكبار، وفي النهاية اتهام لجهاز رقابي يفترض أنه يكافح الفساد لكنه لا يمكن أن يتعين فيه المواطن إلا بعد دفع الرشوة، في إشارة واضحة لهيئة النزاهة.

وإذا عرف القارئ أن هيئة النزاهة منعت هدر مئات المليارات من الدنانير وأعادت مئات المليارات الأخرى إلى خزينة الدولة، وأحالت ملفات الفاسدين الذين يقفون وراء هؤلاء المُهرِّجين، يتبيَّن للقارئ اللبيب مستوى الغضب والهيستيريا التي تنتاب حيتان الفساد الذين حرَّكوا أذرعهم الإعلامية والفنية بعد خسارتهم تلك؛ للنيل من أقوى جهازٍ رقابيٍّ في العراق استطاع تقليم أظافر الفاسدين، وما أدراكم لربما يكونون في الأحزاب ذاتها التي حرَّكت “المخرط” عبد الله الخربيط للمطالبة بإبادة هيئة النزاهة” !!! أو من المستفيدين من المليارات العائدة للنظام السابق في بنوك عمان وبيروت التي استطاعت دائرة الاسترداد في الهيئة أن تستردها للخزينة العامة.

وفي الختام لا يسعنا إلا أن ندرج في الأدنى مقدار الأموال التي حافظت عليها أو استردَّتها أو منعت هدرها هيئة النزاهة في السنوات الأربع المنصرمة؛ ليتبيَّن مستوى ضحالة تلك البرامج وتشويشها على عمل وزارات الدولة ومؤسَّساتها، وتعمُّدها حرف أنظار الرأي العام عن الفاسدين الحقيقيِّين الذين هم أحد أذرعهم الإعلاميَّة، وتوجيه نقمة الشارع نحو الأجهزة الرقابيَّة التي يحاول المتنفذون الفاسدون ابتزازها عبر النيل من إنجازاتها:

  1. عام 2019 : قرابة ثلاثة ترليونات دينار عراقي.
  2. عام 2018 : قرابة ترليوني دينار.
  3. عام 2017 : أكثر من ترليون وربع الترليون دينار.
  4. عام 2016 : ترليونان ونصف الترليون دينار عراقي.

فضلاً عن المئات من الوزراء والمحافظين والوكلاء والمديرين العامِّين الذين حققت معهم، وأحالتهم للقضاء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى