مقالات

الحوار والدستور والمحظور

فاتح عبدالسلام

ايّ دولة في العالم لها دستور دائم، لا تحتاج الى حوار شامل للاتفاق من جديد على الثوابت، إلا اذا كان الدستور قاصراً في روحه ومواده أو في الهيئات المكلفة تنفيذه. وجود دستور لا خلاف عليه يقطع الطريق على اجتهادات الاتفاقات السياسية التي يصيبها الخلل والخطأ وانواع الفساد جرّاء المصالح الصغيرة التي لا تزال عنواناً في جبين اكثر من زعيم سياسي وأغلبية السياسيين العاديين.الحوارات الاستراتيجية تنفع بين دولة وأخرى، وليس بين ابناء الشعب الواحد. على اعتبار انّ نقطة البداية الجديدة العادلة، وهي نقطة افتراضية لا وجود لها، بدأت مع اقرار دستور دائم وثابت للبلاد، ورفعت الاقلام وجفّت الصحف بعده.في كواليس السياسيين ،تعلو أصوات تقول دائماً أنَّ نصف مصائب العراق جاءت من الدستور المكتوب في فترة احتلال البلد في سابقة لم تجر في دولة محتلة أخرى، أو من التطبيق الغامض أو الخاطىء لبنوده أو بسبب تجاهل وجوده أصلاً واحلال التوافقات الفاسدة مكانه.ثمة نقطة تستحق الوقوف بجرأة قبل التفكير باجتراح عقد اجتماعي سياسي جديد للبلاد المنكوبة، كثيرة التجمّل من دون تغيير في الجوهر، تلك النقطة هي اقرار الحاجة لتعديل الدستور بما يتوافق مع وضع العراق الان، لاسيما انَّ تجربةً عمرها ثماني عشرة سنة مليئة بالمصائب والكوارث والازمات والاختناقات، كافية لكي تعطي المشرّع والمنفّذ في العراق مبررات شرعية للتعديل أو حتى التغيير مادام الشأن عراقياً خالصاً، من دون وجود تأثيرات دولة محتلة، وهذا افتراض لا محل له في المعادلة العراقية لأنّ التدخل في شؤونه لم يعد من نتائج احتلال الاخرين احتلالاً مباشراً لأرضه بموافقة من السياسيين فيه كما حدث في سنة ٢٠٠٣ وما بعدها.الحوار الاستراتيجي، مهما علا شأنُه، فهو أقل من ثوابت الدستور، فلِم َ لا نلتزم بالثوابت الدستورية اذا كانت تنفع البلد حقاً بدل الذهاب الى خيار آخر؟ أما اذا كان الاعتقاد هو انّ الدستور الحالي لم يعد قادراً على إحلال السلام في البلد وضمان مستقبله، فإنّ الخيار الأمثل ليس بإطلاق مبادرة الحوار الاستراتيجي، التي لمحنا منذ الساعة الاولى، مَن يفهمها على أنها تسهيل لتوافقات جديدة تخص المال والثروة أكثر من أن تكون شيئاً كبيراً آخر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى