مقالات

الرفاق الإيرانية هل تعقبها مجزرة رفاق عراقية ثانية؟

منقذ داغر

يكاد لا يخلو سجل اي نظام شمولي من مجزرة للرفاق. هذه المجزرة قد تكون دموية ،كما حصل في المانيا النازية وعُرف بليلة السكاكين الطويلة في تموز 1934 او مافعله ستالين عام 1934 ايضا عندما استغل موت صديقه كيروف لـ (تطهير) الحزب الشيوعي،أو مافعله ماوتسي تونغ فيما عرف بالثورة الثقافية عام 1966 في الصين، أو ما فعله صدام حسين برفاقه في قاعة الخلد في تموز 1979. كما قد تكون تلك المجزرة سياسية حين يتم اقصاء(الرفاق)الذين يعتقد انهم سيشكلون خطرا على النهج الجديد للقيادة،من مناصبهم الحكومية او الحزبية ،بصورة سلمية هادئة وتحت شتى الذرائع.حصل هذا في مصر مثلا ابان حكم السادات في مايس عام 1971 فيما سمي ب(ثورة التصحيح)،ويبدو انه يحصل الان في ايران بعد القرار الاخير في مايس الماضي، باستبعاد علي لاريجاني وأحمدي نجاد وجهنجيري من سباق الرئاسة الايرانية بناء على قرار مجلس صيانة الدستور.يلاحظ ان كل المستبعدين قد شغلوا مناصب رفيعة في الدولة الايرانية،بل ان أحمدي نجاد الرئيس الايراني السابق كان المفضل لدى الجناح المتشدد وقد ساعده المرشد الاعلى كثيرا عام 2005 ليصبح رئيسا للجمهورية على حساب رجل ايران الثورة والدولة هاشمي رفسنجاني.وما كان له ليفعل ذلك لولا الدعم القوي الذي حضي به من المرشد الاعلى والحرس الثوري معا. أما علي لاريجاني الذي كان يصنف على جناح الصقور ثم صار يصنف على جناح روحاني(الدولة) فقد كان احد قادة حرس الثورة البارزين ثم شغل مناصب رفيعة جدا كرئاسة البرلمان لاثنتي عشرة سنة (2008-2020) كما كان كبير المفاوضين في الصفقة النووية مع امريكا. كما شغل جهنجيري منصب وزير الصناعة وقبلها عضو مجلس الشورى الاسلامي،وهو الان نائب رئيس الجمهورية!بعد هذا،فأن السؤال الذي يقفز الان هو:أذا كان أشخاص مثل هؤلاء غير مؤهلين بحسب مجلس صيانة الدستور،فمن هو المؤهل إذاً؟ واذا كانت هناك شائبة حول سلوكهم او توجهاتهم أو اخلاصهم أو ولائهم للثورة ومرشدها،فكيف استمروا في مناصبهم كل تلك الفترة؟!قد تبدو الاسئلة اعلاه محيرة لغير العارفين بالمشهد الايراني،اما العارفين بذلك المشهد من جهة وبطبيعة النظم الشمولية التي لايترك فيها شيء للصدفة من جهة اخرى، فأنهم يدركون ان مجزرة الرفاق هذه-مثل كل مجازر الرفاق الاخرى- يراد منها التخلص من الرفاق المنافسين تمهيدا لمرحلة جديدة في حياة النظام. ان من الواضح ان ايران تستعد لمرحلة مابعد السيد الخامنئي ،وان السيد يريد ترتيب الاوراق لخلافته بصورة سلسة تحافظ على نهجه من جهة،وتستنسخ تجربة وصوله للمنصب من جهة ثانية، وتتجنب بعض الاشكالات التي رافقت تعيينه خلفا للخميني عام 1989 من جهة ثالثة. فرئيسي(المرشح الرئاسي الاوفر حظا والذي توقعت فوزه في دراسة منشورة قبل سنة من الان) قريب جدا من توجهات السيد الخامنئي،لا بل ان المرشد الاعلى اشار لترشحه وانتخابه في اكثر من مناسبة سابقة.ومثلما صعد الخامنئي لمنصب المرشد في اعقاب رئاسته للجمهورية،فيبدو انه يراد لرئيسي ان يكون الرئيس المقبل تمهيدا لخلافة السيد الخامنئي كمرشد اعلى.ولتجنب ما حصل مع المرشد الحالي حينما تم تعديل الدستور ليجيز للمجتهد تولي الزعامة بعد ان كانت حكرا على الفقيه نظراً لوجود من اهم اعلى رتبةً منه آنذاك،فقد تم تصعيد رئيسي ليصبح آية الله ويبدو اكثر ملائمة لمنصب المرشد.لكن تبقى المشكلة الاكبر وهي ان رئيسي لا يتمتع بالشعبية اللازمة لانتخابه ازاء الاسماء التي تم استبعادها من السباق. لذلك كان لا بد من التخلص من هؤلاء المنافسين والابقاء على المنافسين الشكليين، لتخلو الساحة لرئيسي.بناء على هذا فأن التحدي سيكون،ليس من يفوز في انتخابات 18 هذا الشهر فالامر محسوم كما يبدو لصالح رئيسي،ولكن التحدي الاكبر والذي تعمل كل اجهزة ايران الثورة وحتى المرشد الاعلى على مواجهته ،هو نسبة المشاركة المنخفضة المتوقعة والتي تعطي مؤشرا قويا على شرعية رئيسي من جهة وترتيبات الخلافة من جهة اخرى.بقيت اشارة اخيرة ارجو توثيقها عني هنا،واستنادا الى الخبرة بالاحزاب والمجاميع والقيادات المقلدة للانموذج الايراني عندنا في العراق،أقول ان مجزرة الرفاق (على النمط الايراني) تبدو قادمة وأن رؤوسا كبيرة وتقليدية ستتدحرج – مجازاً وليس فعلاً- لصالح الجيل الاكثر تشددا وحماسةً لعراق المقاومة لا عراق الدولة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى