تقارير وتحقيقات

الزحف البطيء لمياه البحر.. يهدد بتآكل وانجراف أجزاء من شواطئ غزة

شواطئ ساحرة، رمالها تحتفظ  باللون الذهبي، وصخور بحرية يزيد عمرها عن آلاف السنين، أنواع عديدة من حلزونيات وأصداف البحر النادرة ، وشعاب خضراء طالما أعطت للمكان جمالية خاصة، تلك بعض ما تتميز به شواطئ غزة، التي تشكل بالنسبة للغزيين شريان الحياة ومتنفسهم الوحيد، لكن أجزاءً من تلك الشواطئ، أصبحت تواجه خطر التآكل والانجراف، بفعل الزحف البطيء لمياه البحر نحو تلك الشواطئ، بشكل بات يهدد بفقدان أجزاء منها، وتراجع  مساحات أجزاء أخرى.. هذا مادفع عدد من المختصين البيئيين إلى دق ناقوس الخطر. 
و ساحل قطاع غزة يبلغ طوله قرابة 40 كم، في حين تبلغ مساحة القطاع الكلية 360 كيلو متر مربع، ويتميز القطاع بإطلالته من جهة الغرب على البحر الأبيض المتوسط، حيث تشكل شواطئ القطاع أهمية اقتصادية وسياحية كبيرة بالنسبة للقطاع، الى جانب كونه المتنفس الوحيد لأكثر من مليون ونصف المليون مواطن فلسطيني يقطنون قطاع غزة .
وتعاني مناطق عديدة من شاطئ البحر في شمال وجنوب القطاع من التآكل والانجراف، وهو ما يؤدي الى تساقط الجروف البحرية، نتيجة عامل النحر، وتقدم مياه البحر نحو الشواطئ، الأمر الذي بدوره يؤدي الى تناقص مساحة تلك الشواطئ.
وتوضح الصور الجوية المتوفرة لدى سلطة جودة البيئة بغزة، تآكل شاطئ البحر بنحو 37 متراً خلال السنوات العشر الأخيرة في منطقة شمال ميناء غزة البحري المقام غرب مدينة غزة، بينما أدت تلك المشكلة إلى تآكل  شاطئ رفح بحوالي 12 متراً خلال السنوات الأربع الماضية.
وتنتج هذه المشكلة.. حسبما يشير إليه المختص البيئي د. خلدون أبو الحن مدير معهد المياه والبيئة بجامعة الأزهر بغزة ، عن عدة أسباب.  موضحاً ” أن شواطئ عديد من دول العالم أصبحت تتأثر بتلك الظاهرة بفعل التغيرات المناخية، وما يتعرض له العالم من تغير في درجات الحرارة،  وذوبان الجليد في المناطق القطبية، ما يؤدي إلى ارتفاع منسوب البحار، وتقدم مياه البحار نحو اليابسة ما يؤدي إلى تآكل الشواطئ بالإضافة إلى كثافة النشاط العمراني على الشواطئ، ويضيف د. أبو الحن إلى أنه تبين من خلال دراسة علمية أعدها في العام 2010 لنيل درجة الدكتوراه في ” الاستشعار عن بعد ونظم المعلومات البيئية” من ألمانيا، حول مشكلة تآكل شاطئ البحر، أن أجزاءً من ساحل قطاع غزة تتأثر بمشكلة تراجع و تآكل شاطئ البحر، ويقدر معدل تقدم مياه البحر على خط ساحل بحر غزة ، بحسب الدراسة نسبة ( تتراوح ما بين 0.14 – 0.35 م/ في السنة)، أما بالنسبة للمناطق الواقعة شمال ميناء غزة البحري، فقد أوضح د. أبوالحن إلى أن تلك المناطق أصبحت خلال السنوات الأخيرة تعاني بشكل أكبر وملحوظ من تآكل وتراجع مساحة شاطئ البحر، و يظهر التآكل في تساقط الجروف البحرية بشكل سنوي، حيث أدى إنشاء ميناء غزة البحري المقام غرب مدينة غزة، إلى تقليل كمية الرواسب التي تتحرك مع طول شاطئ البحر باتجاه الجهة الشمالية من الميناء، نتيجة اصطدامها بحاجز أو كاسر الأمواج ، وهو ما يؤدي إلى وجود قصور أو عجز في كمية الرواسب المغذية لشاطئ البحر في الجهة الشمالية من الميناء، والتي تؤثر سلبا على ساحل البحر و الجروف البحرية في المناطق الواقعة شمال ميناء غزة البحري.
مبيناً أن المنطقة الجنوبية الملاصقة للميناء على العكس من ذلك، حيث تشهد زيادة في مساحة الشاطئ “من منطقة الشيخ عجلين وحتى جنوب الميناء “، بفعل تراكم الرواسب القادمة من الجنوب  على طول شاطئ البحر في الجهة الجنوبية من الميناء.
م. عطية البرش مختص في حماية البيئة بسلطة جودة البيئة بغزة يشير إلى أن مشكلة تآكل الشواطئ أصبحت تشكل خطراً كبيراً على شاطئ بحر غزة، والتي بدأت تتسع بعد إنشاء ميناء غزة البحري غرب مدينة غزة، بسبب التيارات البحرية، حيث يتم اعتراض الرسوبيات التي تمر على طوله، واحتجازها جنوب الميناء، فيما يحدث خطر الانجراف من الناحية الشمالية للميناء.

مؤثرات بيئية
وتؤثر تلك المشكلة البيئية على المناطق المتضررة والقريبة من شاطئ البحر من جوانب عديدة، “اقتصادية ، وسكانية، وسياحية”.
أبومحمد 44عاماً، من سكان مدينة غزة، يشير إلى أن مساحة شاطئ البحر تراجعت كثيراً خلال السنوات الأخيرة في عدة مناطق على شاطئ البحر، موضحاً أن زحف مياه البحر نحو تلك الشواطئ أدى إلى تآكل وانجراف أجزاء من شاطئ البحر .
أما الصياد أبو حسن، له كلمة في ذلك.. ” ويقول واصفاً تأثير مشكلة تآكل شاطئ البحر على عملهم في مهنة الصيد ” أنه يضطر في بعض الأحيان لوضع قاربه على رصيف الشارع، نتيجة صغر مساحة شاطئ البحر وضيقه في المنطقة التي اعتاد الصيد فيها شمال ميناء غزة، ويضيف أبو حسن أن مساحة شاطئ البحر تتراجع عاماً بعد عام، مشيراً إلى أنهم يواجهون صعوبات عديدة عند القيام بعملهم نتيجة تلك المشكلة، موضحاً أن صغر مساحة شاطئ البحر تنعكس عليهم بشكل سلبي، حيث لايتمكنون من وضع قواربهم وسفنهم على مسافة قريبة من شاطئ البحر في المناطق المتضررة شمال ميناء غزة البحري.
   
د. سمير أبو مدللة أستاذ مشارك بقسم الاقتصاد بجامعة الأزهر بغزة، يؤكد على ضرورة العمل من اجل إيجاد حلول للمشكلة وحماية شاطئ البحر من التآكل والنحر، وهو مايتيح برأيه المجال أمام استغلال شاطئ البحر واستثماره سياحياً واقتصادياً، كما أن من شأن ذلك زيادة أماكن السباحة للمصطافين، وفتح مشاريع استثمارية سياحية يمكنها المساهمة بتحسين الأوضاع الاقتصادية.
شارع الرشيد
  من جهته يشير م. بهاء الاغا مدير عام حماية البيئة بسلطة جودة البيئة بغزة إلى أن مياه البحر أصبحت ملامسة وملاصقة لشارع الرشيد في منطقة مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة نتيجة لمشكلة النحر والانجراف في تلك المنطقة، حيث يوجد خطورة من انهيار جزء من الشارع في أي لحظة، وهو ما يتطلب برأيه العمل من أجل  إيجاد حلول لهذه المشكلة، مؤكداً على أن مشكلة تآكل شاطئ البحر تتركز  في منطقتين، المنطقة الأولى تقع شمال ميناء غزة ، نتيجة إنشاء الميناء البحري غرب مدينة غزة الذي سبب مشكلة تآكل شاطئ البحر في الجهة الشمالية من الميناء، ويضيف الاغا إلى أن المنطقة الثانية التي تعاني من مشكلة نحر الشاطئ هي منطقة شاطئ مدينة رفح، مشيراً إلى أن الصور الجوية القديمة والحديثة لدى سلطة جودة البيئة ، تظهر تآكل شاطئ البحر بنحو 37 متراً خلال السنوات العشر الأخيرة في منطقة شمال ميناء غزة البحري، بينما أدت تلك المشكلة إلى تراجع مساحة شاطئ مدينة رفح خلال السنوات الأربع الأخيرة إلى حوالي 12 متراً.

حلول للمشكلة
وعن الحلول المقترحة للمشكلة يشير د. خلدون أبو الحن الى وجود حلول عديدة يمكن القيام بها لتدارك مخاطر مشكلة تآكل شاطئ البحر ، ففي حين يمكن ” إنشاء حواجز خرسانية وكاسرات للأمواج على طول منطقة شاطئ البحر في المناطق المتضررة، وهو يعتبر من الحلول الفعالة والمستخدمة في مكافحة وتقليل نسبة تآكل الشواطئ، يمكن أيضاً إلى جانب ذلك القيام بتغذية شاطئ البحر بالرواسب.


بينما يؤكد م. بهاء الاغا إلى أن سلطة جود البيئة بغزة، عملت على تشكيل فريق عمل من عدد من الوزارات، والمؤسسات المعنية بالأمر، لتدارك مشكلة تآكل شاطئ البحر، مؤكداً على أن سلطة جودة البيئة تبذل جهود عديدة، من أجل إيجاد حلول من شأنها علاج هذه المشكلة أو على الأقل الحد من النحر الذي يحدث لشاطئ البحر، مبيناً أن من بين الحلول لهذه المشكلة، من الممكن أن تكون عبارة عن ألسنة بحرية سواءً عمودية على الشاطئ أو مستعرضة، وتهدف هذه الألسنة إلى جعل التيارات البحرية ترسب الرمال التي تحملها في المناطق التي تعاني من النحر، كما يمكن أن يكون هناك معالجات أخرى يمكن من خلالها استرداد الرمال التي فقدتها تلك المناطق وتغذيتها بحيث يتم وقف النحر في المناطق المتضررة.
من جهته يوضح م. عطية البرش أن من ضمن الحلول التي يمكن القيام بها لمعالجة مشكلة نحر شاطئ البحر، إقامة كواسر مستعرضة مغمورة أو عائمة، أو إقامة ألسنة بحرية من الصخور، لكنه يشير إلى أن الاحتلال الإسرائيلي يمنع إدخال هذه الصخور إلى غزة، كما يمنع إدخال الاسمنت ، والذي يمكن من خلاله إنشاء صخور صناعية بديلة من الاسمنت، للمساعدة في حل هذه المشكلة.
مدير العلاقات العامة والإعلام بجمعية الملاحين البحريين الفلسطينيين أ. بهاء العقاد يشير إلى أن مشكلة تآكل شاطئ البحر لها تأثيرات سلبية على البيئة البحرية في المناطق التي تعاني من تآكل شاطئ البحر، ويشير العقاد إلى أن تلك المشكلة تؤدي إلى هروب أنواع عديدة من الكائنات البحرية التي تعيش بالقرب من تلك الشواطئ إلى أعماق البحر .
وتتميز المناطق المتضررة من مشكلة تآكل شاطئ البحر باحتوائها على عدد كبير من الصخور البحرية، حيث تعيش بالقرب من شاطئ البحر أنواع عديدة من الكائنات البحرية، كما تحتوي على كميات كبيرة من أصداف وحلزونيات البحر، بالإضافة إلى أن رمال تلك الشواطئ تعتبر عامل جذب لأنواع عديدة من الطيور المهاجرة، التي تلجأ اليها بأعداد كبيرة وهو مايزيد من أهمية تلك الشواطئ، التي باتت تواجه مخاطر بيئية عديدة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى