مقالات

الشباب بين ادارة الدولة وتدويرها

د. معراج احمد اسماعيل الحديدي

مما لا شك فيه ولا يختلف عليه اثنان ووفقاً للتقدير الرباني أن الإنسان يمر بمراحل متعددة منذ ولادته، ولعل مرحلة الشباب هي ابرز مرحلة وأروعها, ففي هذا العمر يكون الإنسان في أوج نشاطه وقوته وعطائه، فتراه مقبلاً على الحياة ساعياً في مناكبها، راغباً في خوض التجارب المتنوعة واكتساب الخبرات، يعينه في ذلك ما وهبه إياه الله من صحة وشغف لتجربة ما حوله، يدفعه الأمل لبلوغ قمم النجاح والتميُّز.ومن المعلوم أن في كل دول العالم تقاس قوة الدولة ومقدراتها بمعدل العمر التراكمي لأفرادها, فكلما كانت المجتمعات تحتوي على نسبة كبيرة من الفئات الشابة, كلما كانت المجتمعات قوية, وذلك بفضل طاقة الشباب الهائلة التي تحركها وترفعها باعتبارهم مصنع الانجازات, ومصدر الثورات, ومركز الانتعاش الاقتصادي, لذلك فالشباب يظل العنصر البشري الأهم في قوة العمل اللازمة لتقدم الأمم والشعوب, ومن ثم فإن المجتمع الذي يمتلك هذا العنصر الفعال من القوة, إنما يمتلك القوة البشرية الفاعلة، والحيوية اللازمة للبناء والتنمية والنهوض, حيث الشباب هم سر صحوة الشعوب، وعماد نهضتها، وحصنها المنيع، ودرعها الواقي, فهم من ينهضون بالوطن، وهم الذين يتداعون للدِفاع عنه ضد المعتدين، وهم من يصنعون المستقبل له، باعتبار كونهم قوة العمل اللازمة لتحفيز الهمة وتقوية اقتصادها, وذلك من خلال المساهمة في تشغيل وإدارة المشاريع الصناعية، والزراعية، والخدمية، وغيرها.فمازلنا نستذكر دور الشباب الكبير, وعلى مر السنوات المنصرمة بين الحين والاخر في السعي نحو التغيير الايجابي, والوقوف بوجه الظلم والفساد المؤسساتي والبطالة وتحسين فرص المعيشة وغيرها من المعاناة التي يعيشها المواطن العراقي, وبحسب اخر إحصائيات لوزارة التخطيط, والتي بينت أن ثلثي سكان العراق تحت عمر ٣٠ سنة، بالتالي فالعراق وفقاً لهذا التقرير هو بلد شاب مفعوم بالحيوية والتفاني, بالتالي يحتاج إلى وظائف والى قطاعات صناعية وزراعية ومالية ومصرفية, قادرة على استيعاب مخرجات البلد من التعليم الجامعي, والتي اصبحت عائق على الدولة بسبب فقدان التخطيط الصحيح في استقطاب هذه الفئة المتراكمة, من خلال زجهم في المؤسسات والاعتماد عليهم في النهوض بالواقع الاقتصادي الذي يعول على الاستيراد بكل ما يحتاجه المواطن, في الوقت الذي نجد أن الكتفاء الذاتي هو مصدر لدول انهكتها العقوبات الاقتصادية كما هو الحال في ايران, أو اخرى متدهورة اقتصادياً كما هو الحال في سوريا ومصر, مع ذلك فهي تصدر البعض من انتاجها نحو الخارج, كل ذلك بفضل التعويل على الشباب والانشطة الاقتصادية المتنوعة.وعلى النقيض مما تقدم نجد أن السياسة الاقتصادية في العراق, على الرغم من الامكانيات الكبيرة في التنوع الاقتصادي والايدي العاملة الشابة المترهلة, جرى تجييرها في أتجاه واحد وهو أتجاه النفط, لذلك فأن السوق ومستقبل العراق الاقتصادي مرهون بسعر البرميل وتداعياته, وها نحن نحصد ثمار فشل هذه السياسات, اذ تواجه الدولة في هذه الفترة الحرجة في ظل انخفاض سعر البرميل وانتشار الوباء العالمي, عجزا كبيرا في توفير رواتب الموظفين, الذين يقدر عددهم ب6 ملايين موظف, بينما القطاعات الاقتصادية الاخرى على الرغم من اهميتها, فلا يوجد الاهتمام الكافي بها, ولا التخطيط الملائم للنهوض بواقعها. أما على الجانب السياسي وبعد عام 2003 تحديداً فقد افل دور الشباب بادئ بدءً بسبب الهيمنة الكبيرة للأحزاب التي جاءت على هرم السلطة السياسية في البلاد, وتقاسمت خيراته بمحاصصتها المقيتة, واستخدمت الشباب كوسيلة لتبرير غاياتها من خلال شعارات, اهمها الشعار الديني والقومي والمذهبي, ثم ما أن لبثت حتى تغنت هذه الاحزاب بالطائفية, فكان الشباب الاكثر ضرراً في هذه المرحلة بسبب الاقتتال الطائفي عام 2007, ومازالت هذه الاحزاب مسيطرة على فكر الشباب حتى احالت عقولهم في التفكير نحو التقاعد المبكر لو صح التعبير.ثم بعد ذلك بدأ الشباب بالتحرر شيئاً فشيا من الاحزاب الاسلامية ورهبرتها, وبدى ممكن الاختلاف والمناقشة مع الصنم المعبود أو الجامد الذي لا نقاش معه في المرحلة السابقة, ولم نقل عقدوا العزم بل العزم عقدهم في مناهضة النظام السياسي في البلاد, نتيجة للفشل الواضح والسعي نحو دمار البلد على ايدي السلطة الحاكمة, وعلى مدار هذه السنين من التضحيات ففي الحين والاخر تجتاح العراق تظاهرات كبيرة تطالب بتحسين المستوى المعيشي للمواطن ومعالجة الازمة الاقتصادية والتعينات والكهرباء والنهوض بالواقع الخدمي وغيرها من المسببات في الخروج بوجه السلطة لكن سرعان ما تنتهي هذه التظاهرة بتقديم الوعود الا أنها تكون حبراً على ورق, مما يدفع لمرحلة جديدة من التظاهرات. بيدا أن كلمة الفصل والحسم كانت لشباب ثورة تشرين المباركة حيث كان لها الاثر الاقوى في مرحلة ما بعد 2003, فقد وقفوا بوجه الظلم على مدار خمسة اشهر في ساحات العراق بدون انقطاع, حيث خرج العراق جميعاً مسانداً لشباب تشرين, حتى ازالوا حكومة برمتها, وما يزالون يتربصون بالحكومة الجديدة في الوفاء بالتزامها نحو تحديد موعد انتخابات مبكرة, وبالفعل حددت الحكومة الحالية موعد السادس من حزيران موعد للانتخابات المبكرة, وإن كان هذا التصريح من السيد رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي مجرد إعلان فقط, الا أن لهذا الاعلان تداعيات كبيرة اهمها هو الخوف من سلطة الشباب وسطوتهم اذا عزموا وثاروا, فهو بحد ذاته انتصاراً معنوياً لشباب العراق عامة وتشرين خاصة, ولم يكن هذا الجهد آتي من فراغ, بل راح ضحية هذه الثورة الكثير من الشباب والناشطين البارزين, فقد زفت الثورة من الشهداء ما يقارب ثمانمائة شاب, وجرح ما لا يقل عن العشرين الف اخر, مع ذلك فقد اثبت الشباب العراقي حضوره بقوة على الساحة السياسية, وبدى التعويل عليهم واشراكهم في العملية السياسية وادارة الدولة ضرورة لا مناص منها, اما القول بغير ذلك فمن السهل تدوير العملية السياسية برمتها على ايديهم بفضل ارادتهم التي لا تقهر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى