مقالات

الضرائب على الموظفين.. وتعظيم جروح

علي عزيز السيد جاسم

بعيداً عن التشنج والتصعيد والمزايدات الوطنية والسياسية، لنناقش ما طالبت به وزارة المالية ، في فرض المزيد من الضرائب على رواتب الموظفين ، وهذه المرة طالبت بشمول جميع ما يدخل للموظفين من حوافز ومخصصات وارباح وغير ذلك.وأي موظف وطني شريف جاهز لأن يدفع جزءاً بسيطاً من مرتبه لدعم وتعظيم إيرادات الدولة ، بل ان كل مواطن عراقي مستعد ان يسهم بما يقدر عليه من أجل تقوية البلد ودعم مؤسساته للنهوض بعملها كي يضعها على طريق النجاح والتنمية والاعمار ويساعدها للنهوض من كبوتها المالية.هذا الكلام ينطبق على البلد الذي يعاني من شح الايرادات وقلة سبل تعظيم موارد الدولة ، وينطبق على البلد الذي تعمل فيه المؤسسات الحكومية على قدم وساق ، يد بيد ، وكتف بكتف ، في بلد يشهد تطبيق العدالة الاجتماعية والانسانية ، في بلد يُحترم فيه المواطن وتصان حقوقه ، كي يعرف واجباته ومن ثم يؤديها ، في بلد لا تسيطر فيه الجماعات المسلحة على البنوك والصيرفات ، في بلد لا مجال فيه لتجار الحروب وصناع الازمات الذين يعتاشون على الأتاوات (الخاوات) ، في بلد فيه وزارة مالية تعمل ليل نهار على ايجاد سبل ناجعة لتعظيم موارد الدولة بما يسهم في تحقيق الرفاهية الاجتماعية والحد من البون الشاسع بين مرتبات الدرجات العليا على حساب الموظفين من الدرجات الادنى ، وللحد من التمايز الطبقي بين ثراء فاحش وفقر مدقع….الخ.تقول وزارة المالية انها تعمل على تطبيق القانون و هي ملزمة بتطبيق بنود الموازنة المالية لسنة 2021 التي ضمن بنودها رفع الاستثناءات من الفئات المستثنية من دفع الضرائب ، لن اعيد تفصيلات تلك الفئات فباتت معروفة ، لكنها ـ أي المالية ـ لم تتأخر في إصدار كتاب يطالب مجلس الوزراء على فرض تلك الضرائب على الموظفين وبأثر رجعي! للعام الجاري.واكاد اجزم بان السيد المسؤول ليس لديه سابق معرفة بسلم رواتب الموظفين ، ومن المناسب ان ننبه او نذكره ان الموظف المتعين حديثاً من حملة شهادة البكالوريوس يتقاضى راتباً اسمياً مقداره 270 ألف دينار فقط ، وكما يعلم ـ او لا يعلم ـ السيد المسؤول ان معظم المتعينين الجدد ـ خلال السنوات السابقة ـ من المتزوجين وأصحاب أطفال ، فمع مخصصات الزوجية (50 ألف دينار) ، ولنفترض ان لديه ثلاثة اطفال (30 ألف دينار ، عشرة لكل واحد) ومع مخصصات النقل (20 ألف دينار) يكون راتبه الكلي 370 ألف دينار ، يضاف لها مخصصات الشهادة ليصبح بأحسن الأحوال 500 الى 600 ألف دينار اذا ما حسبنا سنوات خدمة وترفيع خلال مدة خدمته التي تتراوح بين 8 الى 12 عام ، فهل يعلم السيد المسؤول ان هذا الراتب يكفي فقط ايجار سكن بالنسبة لمن لا سكن له وهم بالملايين! وان اغلبهم مرتبط بتسديد سلف وقروض للدولة تستقطع شهرياً مع ارباحها ، يصاحبها مصاريف الماء والكهرباء والانترنت وخطوط نقل التلاميذ ومصاريف المعيشة والطعام والدواء ومستلزمات الحياة التي لا يكفي لسدها أقل من مليون و 500 ألف دينار ، لذلك اعتمدت وزارة التجارة معيار هذا الرقم بالنسبة للموظفين لتحجب عنهم مفردات البطاقة التموينية (الغائبة منذ 8 أشهر) على اساس امكانية الموظف تدبير امور معيشته.ولعل السيد المسؤول لا يعلم بأن رواتب الموظفين قد قُضم منها الثلث في زمن حكومة السيد العبادي ، فكان الراتب الاسمي للمثال المذكور اعلاه 380 الف دينار قبل ان يصبح 270 الف دينار ، فعلى ماذا تلاحق الموظف يا سيدي المسؤول الرفيع الذي قد لا تعلم بأسعار سوق المواد الغذائية والخضروات ولا تنشغل بتوفيرها لإسرتك كون راتبك يكفي ويزيد بل ان راتب شهر واحد يكفي لمعيشة اسرة مكونة من ثمان نفرات لمدة سنة كاملة!لا (ننق) على رواتبكم ايها المسؤولون ، ولكن لا تزاحموا الفقير اكثر مما يجب ، واذا كانت الذريعة تنفيذ القوانين ، فيا عزيزي المسؤول ان القوانين والانظمة وجدت لخدمة الشعب وتحقيق رفاهيته وحقه في العيش الكريم وليس لتطبيق الاجراءات التعسفية والحاق الحيف به من اجل إرضاء المؤسسات الدولية المالية الامريكية وغير الامريكية المانحة و الدائنة ، ان تلك المؤسسات تعمل على اغناء شعوبها واستقرار اوضاعهم المالية وليس لها علاقة بالشأن الداخلي العراقي وأوضاع معيشة مجتمعه ، فكان الاجدر عند الوقوف على المادة (34/ج) ان تصدر الوزارة كتاب تطالب فيه اعفاء الموظفين من تطبيق المادة التي تفرض عليهم المزيد من الضرائب بمسميات متعددة ، وان تطالب بحقوق الموظفين بالعودة الى سلم الرواتب القديم ـ قبل 2016ـ عند توفر السيولة وتجاوز الازمة المالية ، منطلقة من دواع وطنية وانسانية و اجتماعية هادفة لتحسين الواقع المعيشي للموظف وغير الموظف لكي يعيش بسلام وبعيدا عن الانجرار وراء الكسب غير المشروع.هناك العشرات من الكتابات والمقترحات من قبل متخصصين لتعظيم موارد الدولة ، والجميع يعرفها واولها استرداد عشرات المليارات من الدولارات التي هربت للخارج ، وغيرها ممن يعرفها القاصي والداني ، يجب الكف عن الضغط على الحلقة الاضعف ، فإنها عند الفوران واشتداد الغضب ستكون الحلقة الأصعب التي لن تبقي اي مسؤول متواطئ او مسؤولة متواطئة ضد ارزاق وقوت الناس البسطاء ، ولكم من التجارب السابقة خير دليل ، فإحذروا فإن الدماء ما تزال تغلي ، فلا تذروا الملح على الجراح ، ولا تثخنوها!وختاماً ندعو السيد رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي الى الوفاء بوعده في عدم المساس بقوت الطبقة التي بالكاد تُدَبر معيشتها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى