مقالات

العراق بلا مؤسسين

مازن صاحب

حينما حاول الملك فيصل الاول تأسيس دولة مدنية عصرية، هناك عشرات الصور التاريخية تفيد بمعاني هذا البناء، واي مراجعة لتاريخ الوزارات لشيخ المؤرخين عبد الرزاق الحسني، يؤكد وجود مثل هذه الفكرة لعدد من الآباء المؤسسين للدولة العراقية، ومع كل تحول سياسي لابد من ظهور إباء مؤسسين لشكل النظام السياسي ما بعد تموز ١٩٥٨ و١٩٦٨ وتعلق على اعتاب قراءة التاريخ تلك الحسنات والسيئات حسب وقائع الايام.لكن السؤال عن الآباء المؤسسين للدولة العراقية ما بعد ٢٠٠٣ يثير صخبا وضباب من دون التوصل الى نتيجة، وهذا ما ظهر واضحا في ندوة جمعت عدة شخصيات أكاديمية وسياسية لمناقشة كتاب أزمة السيادة الوطنية العراقية الصادر عن ملتقى بحر العلوم ومعهد العلمين، كانت الإجابات واضحة وصريحة ان الاحزاب المتصدية لسلطان الحكم في مجلس الحكم وما بعده لم تكن تفكر ببناء دولة المواطنة المدنية في متن الدستور العراقي النافذ.وكل منها جاء باجنداته الفكرية ومصالح ما عرف بالمكونات حتى وضع العقد الدستوري الوضعي بما يرضي تلك الاجندات وليس ما يطمح ببناء دولة مدنية عصرية تنطلق من واقع الحلول لكل تلك الاثام الكبيرة لعهود سياسية كانت تلك الاحزاب تقاتلها ببنادق صدئة!كيف واليوم جميع هذه الاحزاب والقوى السياسية قد امتلكت قوة السلاح والمال السياسي يمكن أن تكون (إباء مؤسسون) لعراق مدني يعتمد الحكم الرشيد والمواطنة بدلا من مفاسد المحاصصة وثقافة صراع عروش المكونات وامراء الطوائف؟كل ذلك يعجل القول بصحة مبادرة الحوار الوطني التي دعا اليها السيد مصطفى الكاظمي أمرا مقبولا، لكن السؤال هل سيظهر في ثنايا هذا الحوار إباء مؤسسين لعراق واحد وطن الجميع؟؟مع تكرار الحديث عن الحوار الوطني ما بعد ٢٠٠٣ حتى اليوم، لم تظهر نتائج اي من تلك المؤتمرات او ورش العمل أو المكاتب التي خصص لها حسب احد التقديرات حوالي ملياري دولار طيلة تلك السنوات من دون جدوى نافعة يمكن ان تنعكس على واقع الحوار المفترض انطلاقه خلال مرحلة ما قبل الانتخابات المقبلة.السؤال الاخر، بعد هذا الفشل لفكرة الحوار الوطني، لماذا التمسك بهذا المبنى في هندسة العملية السياسية؟ اعتقد هناك نيات متبايتة بين القوى السياسية المتصدية لسلطان الحكم وتلك التي تخالفها او تعارضها من داخل العملية السياسية ومن خارجها، لكن هناك رغبة عند الجميع باحتواء رياح التغيير في ساحات التحرير التشرينية، بهذا الحوار السياسي واعتبار ما بعده في انتخابات مبكرة انما يمثل ارادة الشعب من خلال صناديق الاقتراع.لكن عدم مشاركة الاغلبية الشعبية في هذه الانتخابات يمكن أن تكرر ذات ملامح الاعتراض الشعبي كما حصل مع نتائج الانتخابات في ٢٠١٨، هكذا تبرز معالم الصراع السياسي والمجتمعي لترسيخ واقع مفاسد المحاصصة ودويلات المكونات وامراء الطوائف السياسية بدلا من الحكم الرشيد والمواطنة الصالحة.الامر الذي يتطلب من القائمين على مبادرة الحوار الوطني الجديدة تجاوز اخطاء التأسيس الدستوري، والبحث عن الآباء المؤسسين للدولة العراقية المتجددة، ومن دون تأسيس أعراف وتقاليد لادارة اهل الحل والعقد، يبقى العراق بلا هوية وطنية واحدة، وغياب مؤكد للاباء المؤسسين، وهذا يتطلب وعيا جديدا، ونيات مختلفة ما زالت كما يظهر من المواقف والتحليلات مغيبة كليا، لذلك يبقى من القول لله في خلقه شؤون!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى