مقالات

العصبية وتناحر الخنادق

د. نزار محمود

انه‭ ‬من‭ ‬المعيب‭ ‬حضارياً‭ ‬على‭ ‬نخبة‭ ‬أصحاب‭ ‬الفكر‭ ‬والساسة‭ ‬أن‭ ‬يحذوا‭ ‬في‭ ‬أعمالهم‭ ‬حذو‭ ‬أولئك‭ ‬غير‭ ‬الموضوعيين‭ ‬والحياديين‭ ‬أو‭ ‬الجهلة‭ ‬أو‭ ‬الحاقدين‭ ‬أو‭ ‬ممن‭ ‬ينحدرون‭ ‬الى‭ ‬مستوى‭ ‬أصحاب‭ ‬الدعاية‭ ‬السطحية‭ ‬والتضليل‭ ‬الأعمى،‭ ‬فتراهم‭ ‬لا‭ ‬يبحثون‭ ‬ويتكلمون‭ ‬وينظرون‭ ‬الا‭ ‬لفئة‭ ‬من‭ ‬أصحابهم‭ ‬ورفاقهم‭ ‬دونما‭ ‬اي‭ ‬اهتمام‭ ‬بغيرهم،‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬مهاجمتهم‭ ‬وشيطنتهم‭ ‬وتحقيرهم‭ ‬والبحث‭ ‬عن‭ ‬أخطائهم‭ ‬وزلاتهم‭ ‬والتركيز‭ ‬عليها‭. ‬

هذه‭ ‬الحال‭ ‬نجدها،‭ ‬بالطبع،‭ ‬كذلك‭ ‬عند‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬نخبة‭ ‬الساسة‭ ‬أو‭ ‬المفكرين‭ ‬أو‭ ‬الكتاب‭ ‬العراقيين‭.‬أحاول‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المقال‭ ‬القاء‭ ‬بعض‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الظاهرة‭ ‬في‭ ‬أسبابها‭ ‬وتداعياتها‭.‬في‭ ‬أسباب‭ ‬الظاهرة‭:‬‭ ‬ترسبات‭ ‬العصبية‭ ‬القبلية‭ ‬في‭ ‬عقولنا‭ ‬الباطنة‭ ‬وفي‭ ‬وعينا‭ ‬الجمعي‭.‬‭ ‬تخلف‭ ‬قيمنا‭ ‬السياسية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬السائدة‭.‬‭ ‬

روح‭ ‬الغلبة‭ ‬والانتقام‭ ‬المتأصلة‭ ‬في‭ ‬نفوس‭ ‬نسبة‭ ‬غير‭ ‬قليلة‭ ‬في‭ ‬مجتمعنا‭.‬‭ ‬أسلوب‭ ‬كتابة‭ ‬التاريخ‭ ‬غير‭ ‬الموضوعي‭ ‬وغير‭ ‬المنصف‭.‬‭ ‬اغراءات‭ ‬الوصول‭ ‬الى‭ ‬السلطة‭ ‬وما‭ ‬يحمله‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬معاني‭ ‬الغنائم‭ ‬والوجاهة‭ ‬الاجتماعية‭.‬‭ ‬الثأرات‭ ‬المطمورة‭ ‬في‭ ‬اللا‭ ‬شعور‭ ‬لأسباب‭ ‬عرقية‭ ‬ودينية‭ ‬وطائفية‭ ‬وطبقية‭.‬أما‭ ‬ما

‭ ‬هي‭ ‬أهم‭ ‬تداعياتها،‭ ‬فهي‭:‬‭ ‬خلق‭ ‬وتعميق‭ ‬وإدامة‭ ‬الخلاف‭ ‬والتناحر‭.‬‭ ‬تكريس‭ ‬روح‭ ‬العصبية‭ ‬القبلية‭ ‬الأعمى‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬الموضوعي‭ ‬مع‭ ‬الواقع‭ ‬والحقيقة‭.‬‭ ‬استمرار‭ ‬الصراع‭ ‬السياسي‭ ‬وانتقاله‭ ‬الى‭ ‬الصراع‭ ‬الدموي‭ ‬والتصفيات‭ ‬الجسدية‭ ‬والمعنوية‭.‬‭ ‬ادامة‭ ‬حال‭ ‬اللا‭ ‬استقرار‭ ‬والصراع‭ ‬والفوضى‭ ‬ورواج‭ ‬شريعة‭ ‬الغاب‭.‬مثال‭ ‬حي‭:‬سأورد‭ ‬مثلاً‭ ‬صارخاً‭ ‬للتدليل‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬ذهبت‭ ‬اليه‭. ‬

قبل‭ ‬أيام‭ ‬توفي‭ ‬الشاعر‭ ‬مظفر‭ ‬النواب،‭ ‬فقامت‭ ‬ساحة‭ ‬صراع‭ ‬بين‭ ‬رفاقه‭ ‬السياسيين‭ ‬من‭ ‬الشيوعيين‭ ‬واليساريين‭ ‬والساخطين‭ ‬على‭ ‬الانظمة‭ ‬العربية،‭ ‬بموضوعية‭ ‬ودون‭ ‬موضوعية،‭ ‬من‭ ‬جهة،‭ ‬وبين‭ ‬من‭ ‬كانت‭ ‬اشعار‭ ‬النواب‭ ‬تهاجمهم‭ ‬بنابية‭ ‬الأقوال‭ ‬ومضامينها،‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى‭

.‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬لأحد‭ ‬أن‭ ‬ينكر‭ ‬على‭ ‬النواب‭ ‬ابداعه‭ ‬الشعري،‭ ‬كما‭ ‬لا‭ ‬يصح‭ ‬للآخرين‭ ‬تناول‭ ‬النواب‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬سلوكيات‭ ‬شخصية‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬مواقف‭ ‬متناقضة‭

. ‬فالنواب‭ ‬شاعر‭ ‬مبدع،‭ ‬وهو‭ ‬رجل‭ ‬عرف‭ ‬بمواقفه‭ ‬الداعمة‭ ‬للحق‭ ‬العربي‭ ‬في‭ ‬فلسطين،‭ ‬وهو‭ ‬الانسان‭ ‬الذي‭ ‬تعرض‭ ‬للأذية‭ ‬مما‭ ‬يسمون‭ ‬انفسهم‭ ‬بالقوميين‭ ‬وحتى‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬من‭ ‬ادعى‭ ‬الغيرة‭ ‬على‭ ‬القيم‭ ‬والاخلاق‭ ‬الدينية،‭ ‬وأخيراً‭ ‬ممن‭ ‬وجد‭ ‬في‭ ‬صمته‭ ‬ضد‭ ‬الغزو‭ ‬الامريكي‭ ‬والاحتلال‭ ‬الايراني‭ ‬وعملائهم‭ ‬من‭ ‬الخائضين‭ ‬في‭ ‬العملية‭ ‬السياسية‭ ‬المخزية‭ ‬في‭ ‬العراق،‭ ‬ما‭ ‬دفعهم‭ ‬للتشكيك‭ ‬في‭ ‬صدق‭ ‬أشعاره‭ ‬ومواقفه‭.‬وهنا‭ ‬أتساءل‭: ‬

إلى‭ ‬متى‭ ‬يبقى‭ ‬اصحاب‭ ‬النخبة‭ ‬من‭ ‬ساسة‭ ‬ومفكري‭ ‬وكتاب‭ ‬هذا‭ ‬الحزب‭ ‬يحقرون‭ ‬ويتجاهلون‭ ‬ويحرفون‭ ‬من‭ ‬اعمال‭ ‬انصار‭ ‬الأحزاب‭ ‬الاخرى‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬الحقيقة‭ ‬والابداع‭ ‬والانجاز‭ ‬الوطني؟الى‭ ‬متى‭ ‬نبقى‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬العصبية‭ ‬القبلية”‭ ‬ونأكل‭ ‬أنفسنا‭ ‬بأنيابنا‭ ‬الحادة‭ ‬المسمومة؟وفي‭ ‬الختام‭ ‬أقول‭

: ‬من‭ ‬هو‭ ‬الخاسر،‭ ‬ومن‭ ‬هو‭ ‬المستفيد‭ ‬من‭ ‬وراء‭ ‬ذلك؟هل‭ ‬يرضى‭ ‬ضمير‭ ‬وطني‭ ‬حي‭ ‬أن‭ ‬يلعن‭ ‬بعضنا‭ ‬البعض‭ ‬الآخر‭ ‬بهذه‭ ‬الصورة‭ ‬العمياء،‭ ‬ويهدم‭ ‬أحدنا‭ ‬ما‭ ‬يبنيه‭ ‬الآخر؟نحتاج‭ ‬الى‭ ‬يقظة‭ ‬وعي‭ ‬وصحوة‭ ‬ضمير‭ ‬وشجاعة‭ ‬إقدام‭.‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى