مقالات

العنف المجتمعي المتنامي

العنف المجتمعي المتنامي – علي الشكري

المتتبع لتاريخ العراق السياسي والعسكري ، يجدده سلسلة متصلة من العنف ، فإلى العراق يعود أول انقلاب عسكري في المنطقة العربية سنة 1936حينما قاد بكر صدقي حركة انقلابية للإطاحة بحكومة ياسين الهاشمي ، وكان حينها رئيسا لأركان الجيش ، وانتهى الانقلاب الى مقتل وزير الدفاع جعفر العسكري ، وعلى يد عريف في الجيش ” عبد الله التلعفري ” قتل في الموصل ، قائد الانقلاب صدقي وشريكه فيه ، قائد القوة الجوية محمد علي جواد ، ولا يخفى على عراقي عالم أو جاهل ، مطلع أو مختص ، عاش المرحلة أو قرأ عنها ، ما انتهى اليه انقلاب تموز 1958، من قتل وتنكيل وتمثيل بجثث أفراد الأسرة المالكة التي حكمت العراق ، وهي اجنبية وافدة ، وبالقطع أن يد الأجنبي لم تكن بعيدة عن الحركة التي أطاحت بحكام العراق ، لكن الفارق بين حاكم العراق المطاح به ، وحاكم المحرض ، أن دماء حكام الأسرة المالكة في العراق راحت مراقة وجثثهم ممثل بها ، وامتطى فاروق في مصر وأفراد أسرته السفينة وإطلاقات المدافع تودعهم تحية لهم ، ومثلما نكّل حكم قاسم بالأسرة المالكة ، نكّل البعثيون ومثلوا بجثته بعد اقل من خمس سنوات على انقلابه ، وراح قبره مباحا يعبث به قادة الانقلاب الجدد، وجثته تنقل من مثوً لآخر .وراحت سلسلة الانقلابات والإعدامات والاغتيالات تتوالى تترا ، فمن محاولة انقلاب عبد الرزاق النايف ، الى محاولة انقلاب عبد الغني الراوي فمحاولة ناظم گزار ، الى راجي التكريتي ، الى محاولة محمد مظلوم الدليمي ، ناهيك عن محاولات التيارات الدينية الشيعية ، وفي أعقاب كل محاولة انقلاب أو تحرك سياسي ، يعتلي المشانق قادة ومخططين ومنفذين ، أو تجري التصفيات الجسدية ، لقادة دينيين وساسة وعسكر ورجال أمن ، يبقى تاريخ العراق يدون مواقفهم ، بعضهم ناوئ النظام ، فشكّل تنظيمات لإسقاطه ، كالشهيد عبد الصاحب الدخيل والشهيد السعيد السيد مهدي الحكيم والشهيد الخالد آية الله العظمى السيد محمد باقر الصدر ، والشهيد الخالد آية الله العظمى السيد محمد صادق الصدر ، وقائمة رجالات الأحزاب الدينيين الشيعية المغدورين تطول ، وممن جرى تصفيته على يد النظام الراحل ، شركاء حكم وانقلاب ومخطط ، حتى ترسخ في الذاكرة السياسية العراقية أن خواتيم العمل السياسي ، قتل أو أغتيال أو تغريب وتهجير أو زج في السجون أو ملاحقات ، فالعنف السياسي في العراق أضحى ظاهرة معتادة ترسخت في الذاكرة وتقبلها العقل ، لكن المستحدث الطارئ على المجتمع العراقي ، العنف الاجتماعي الذي راح يضرب بعنف ارجائه ، حتى راحت وكالات الأنباء ووسائل التواص الاجتماعي تتناقل الخبر ، ويمّر عليه المجتمع مرور الكرام وكأن الأمر مستساغ معتاد ، أب يقتل أبنه ، وأبن يقتل أمه وأبيه ، وزوجة تقتل زوجها بالاشتراك مع عشيقها وتمثل بجثمانه ، وزوج يخون زوجته فلما يفتضح أمره يقتل زوجته بعد اتهامها بالخيانة ، واللافت أن المؤساسة الدينية تقف مترددة أمام هذه الظاهرة الآخذة بالتزايد ، فوعظها لا ينسجم وحجم المشكلة ، وحثها على العودة لله وتعاليم الدين لا يتناسب والواجب الملقى على عاتقها ، أما المؤسسة الحكومية الرسمية فراحت تسجل الحدث وتعد الإحصائيات ، وتطلق التصريحات ، وتعقد الندوات ، وتستضيف غير المختصين لتسليط الضوء على المشكلة ، بقصد إعداد التقارير ، وتدوين النشاط ، والتقاط الصور ، لتأكيد اداء الواجب ، وأنبرى الإعلام هو الآخر للظاهرة المتنامية ، باستضافة غير المختص لتشخيص المشكلة ، وتسليط الضوء عليها ، وطرح الحلول ، وما المتوقع من تشخيصات وحلول غير المختصين ، غير كلام الإنشاء ، وتكرار المتداول ، وطرح غير الناجع ، فالاستضافة بقصد تغطية المساحة الوقتية للفضائية ، لا بقصد إيجاد العلاج للداء . على الفعاليات الرسمية وغير الرسمية أن تكون أمام مسؤوليتها الرسمية أو الأخلاقية ، بالمجاهرة بأس المشكلة ، وتشخيص الداء ، ووصف العلاج ، فالمخدرات والمؤثرات العقلية راحت سلعة متداولة ، وتجارة رائجة ، في متناول العسكري ، والمراهق ، الذكر والأنثى ، تبتاع في المقاهي والمدارس ومحلات البقالة الشعبية ، تنتقل عبر الحدود ، وتجول المحافظات ، تتداولها يد المتاجر والمقتني والمتعاطي ، وجميعهم آمن مطمأن ، فهاتف واحد دون تكرار ، يكفي لإطلاق سراح التاجر والناقل والمتناول ، نعم لهاتف الحجي وقع ، ولاتصاله الأثر ، كيف لا والمعني القائم بواجبه مهدد بالإقالة ودون حماية إن لم يستجيب .على متخذ القرار أن يكون مقداماً جريئاً شجاعاً ، قادرا على تنصيب الكفؤ على رأس الأجهزة المعنية بملاحقة تجار السموم التي راحت تجارتهم تعبث بمقدرات مجتمع عرف بتماسكه وترابطه الاجتماعي ، وتاريخه ، وتدينه وورعه ، وأخلاقه التي أغاضت كل حاسد حقود ، وبالقطع أن تنصيب الكفؤ وحده لن يكون كافياً للتصدي للظاهرة الوافدة الأخطر ، لكن حمايته وحصانته وضمان الاطمأنان على موقعه هو الاهم ، فليس كبيراً ربط جهاز مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية برأس الهرم التنفيذي ، على نحو لا يمكن معه اقالة مسؤول الجهاز أو نقله أو التعرض له الا من قبل رأس الهرم التنفيذي أو بأمره، وإلا فالظواهر الشاذة ستزداد حتماً حيث تجد البيئة الآمنة ، فالمجتمع أمانة المتصدي ، وحمايته مسؤوليته ، والتاريخ يسجل ، لكل أداءه وتميزه وإخفاقه .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى