مقالات

الكمامة في الشوارع

د.فاضل حسين البدراني

هل التحضر وقاية ونظافة وقيم وسلوكيات اجتماعية، أم هي مجرد كلمة فضفاضة مجردة من كل ما قيل، أو شعار يلوذ به بعض المتصنعين يسرقونه، من بعض الكتب والمؤلفات والروايات؟قرأنا كثيرا عن البيئة الحضارية، والانسان المتحضر، وصادفنا كثيرا من الناس الذين يتبنون هذا المصطلح تبجحا، وكأٔنه لباس كمظهر خارجي للتزين، من دون إدراك منهم أن التحضر الحقيقي يتجسد في العمق، ولا علاقة له بالمظهر، والتحضر هو وعي بالاشياء والافعال والاعمال الملموسة، بل هو سلوك اجتماعي وحسن تعامل في حياتنا اليومية، ويتجسد كذلك بعمق الكلام عندما يتسم بالذوق والاتكيت، وفي مقاربة للمصطلحات ذات الاتجاهين، تواجهنا مفردة تعاكس التحضر في اللغة والاصطلاح، مثل التخلف، وبين هاتين المفردتين (التحضر والتخلف) يتوزع غالبية الناس بين هذين الوصفين، إما متحضر وإما متخلف، فالمفردتان تتألفان من خمسة حروف لكل منهما، تتشاركان في حرفين، بينما الفرق بالتطبيق العملي بينهما يعد بمثابة مسافة كبيرة. وإذا كان التحضر يمثل الوعي، وهو سبيل الوصول الى العلم والمعرفة، فإن التخلف يمثل الجهل، وهو سبيل البعد عن العلم والمعرفة.فهل رمي الكمامات التي تقينا من شر وباء كورونا في شوارع المدن، وعي وتحضر أم تخلف وجهل؟، هذا هو الميزان الذي يصنف على أساسه افراد المجتمع، بل هو صراع المجتمع حول هذين المصطلحين، وكثير من الناس عندما يتجول في الشوارع تصادفه نفايات عدة، ومنها العلامة الفارقة عن الوعي الصحي، المتمثلة بالكمامة عندما يجدها مرمية في الطرقات، لتشكل مشهدا مقززا ينم عن سلوكيات سلبية لمواطنين لا يدركون مستوى التراجع بالوعي الصحي والذوق الاجتماعي، وخواء في التحضر، فالكمامات المحسوبة ضمن النفايات المرمية بالطرقات والشوارع تكاد تكون أضعاف التي يستخدمها الناس، وأصبح منظر الكمامة يختفي في الأسابيع الأخيرة بينما أخذت المؤسسات الصحية في البلاد تسجل أعلى معدلات الإصابة بفيروس كورونا تجاوزت في بعض الأيام سبعة آلاف إصابة. ورمي الكمامة في الشوارع، يمثل أعلى درجات التخلف والجهل، وانعدام تام في مستوى الذوق العام، وفضلا عن كونه سلوكا للتمرد وعدم الالتزام بضوابط وشروط السلامة الصحية، فإن من شأن ذلك أن يزيد من تفشي وباء كورونا كأنموذج لامراض انتقالية عدة لا حصر لها، ويرفع من نسب الإصابات به. وعليه فالتحضر فكر وسلوك انساني نوعي يساعد في وقاية المجتمع من الأمراض الجسدية، والعقد النفسية والنفايات الفكرية، بل هو درع حصين لنظافة الانسان والمجتمع، والتوجه بهم نحو مصافي العلم والمعرفة. إنها دعوة للناس من أجل الوعي، بأهمية الكمامة في السلامة والصحة، والحفاظ على حياتهم، بعيدا عن رميها بالشوارع، لكيلا تكون جزءا مضافا الى النفايات المتراكمة في الشوارع، من دون وعي بلدي لتنظيفها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى