مقالات

المتقاعدون .. بين استقطاعات الحكومة ورفض البرلمان

الكاتب باسل عباس خضير

في سابقة خطيرة مخالفة للدستور والقانون ، باشرت هيئة التقاعد الوطنية باستقطاع جزءا من رواتب المتقاعدين (كافة ) اعتبارا من 1/ 6 / 2020 بشكل مفاجئ وبدون سابق إنذار ، وتراوحت الاستقطاعات تحت عنوان ( ضريبة الدخل ) بنسب تتراوح بين 10 – 15% محسوبة على أساس الاستحقاق الكلي وليس على الراتب الاسمي ومنح الإعفاء لمن رواتبهم 500 ألف دينار فاقل ، وشكل ذلك صدمة كبرى للمتقاعدين لأسباب عديدة ، أولها إن الاستقطاع جاء بدون مقدمات وذلك لعدم صدور قانون او قرار او تشريع فالمتداول كان عبارة عن مقترحات لتقليل عجز الموازنة والتصريحات كانت تتجه لاستثناء المتقاعدين باعتبارهم خط احمر ، وثانيها إن قانون ضريبة الدخل رقم 113 لسنة 1982 ( النافذ حاليا ) قد استثنى المتقاعدين في ( المادة 7 التسلسل سادسا ) والذي يشمل الرواتب والمكافآت وبدل الإجازات المتراكمة وغيرها ، وثالثها إن الاستقطاعات خالفت القانون النافذ ليس في العبور فوق الاستثناء فحسب وإنما في طريقة الاستقطاع لان الضريبة تفرض على المدخولات السنوية بعد طرح السماحات ولكل مكلف مجموعة من السماحات ، ورابعها إن الرواتب التقاعدية ليست مدخولات وإنما هي مدخرات يتم استرجاعها من صندوق التقاعد الذي تم تحديد آلياته بقانون التقاعد النافذ رقم 9 لسنة 2014 ، وخامسها إن الاستقطاع لم يستند إلى الإقرار الضريبي الذي يتم اعتماده في كل بقاع الأرض إذ تم بطريقة ( القرصنة ) على الرواتب بدون سابق إنذار ولذلك لم يأخذ الاستقطاع جملة من الأمور منها العمر والحالة المرضية والاجتماعية وتعدد مصادر الدخل وغيرها من أصول وسياقات فرض ضريبة الدخل ، وسادسها إن الموضوع تم من قبل هيئة التقاعد وليس هيئة الضرائب وهي الجهة ذات الاختصاص بموضوع الضرائب في العراق لذا فإنها لم تراعي مسالة الازدواج الضريبي فالرواتب التقاعدية هي عبارة عن مدخولات سبق وان خضعت لضريبة الدخل أثناء الخدمة الوظيفية ، وسابعها إن المبالغ المستقطعة لم تأخذ بنظر الاعتبار مجموعة من المحددات ومن بينها الحد الأعلى للاستقطاع لان المتقاعدين لهم التزامات أخرى في السلف والقروض والنفقة والدين العام والخاص وغيرها من الالتزامات ، وثامنها إن الاستقطاع لم يأخذ بالرأفة الحالات الإنسانية لبعض المتقاعدين من المستحقين والخلف المتعلقة بالعجز الكلي او الجزئي والإصابة بالأمراض المزمنة والايتمة والأرملة وبذلك شكل الاستقطاع لتلك الحالات انتهاكا لحقوق الإنسان لأنه تم بدون علم المتقاعد او المستفيد ودون سابق الإنذار لغرض التهيئة للدخل الجديد بعد الاستقطاع إن كان فيه جانبا قانونيا مشروع فحتى المخالفين يجب إشعارهم مسبقا .

لقد كان فجر يوم العاشر من حزيران الحالي فجرا ( ظالما ) ومظلما لغالبية المتقاعدين الذين وصلتهم إشعارات صرف الرواتب التي تأخرت ل10 أيام لما فيها من مفاجأة لهذه الاستقطاعات دون معرفة الأسباب والحقل الذي تم فيه تبويب الاستقطاعات ، فالاستقطاعات لم يتم التنويه عنها من قبل هيئة التقاعد وان ذهاب البعض لتسميتها ضرائب هي مجرد توقعات رغم إن الاستقطاع تم بالفعل ، فما يتم التداول به هو من خلال شركات الدفع الالكتروني وليس الجهات الرسمية ، لان تصريحات المستشارين وخلية الأزمة المالية ووزير المالية التي كثفت خلال الأيام الماضية كانت تتجه في صوب طرح الأفكار والمقترحات وليس قرارات ، وحتى بعد عقد مجلس الوزراء لجلسته الاستثنائية الأولى في 8 حزيران الحالي لمناقشة أزمات البلاد ومنها أزمة السيولة لم يصدر تصريح من أي مستوى باتخاذ قرار باستقطاع الضرائب فكل ما صدر هو توجيه من رئيس مجلس الوزراء بان تقوم الجهات الحكومية كافة بتقديم بيانات ومعلومات إلى وزارة التخطيط خلال 30 يوما عن العاملين ورواتبهم ودرجاتهم الوظيفية ، ويضاف إلى ذلك كله إن السيد مصطفى ألكاظمي عبر في تصريحاته عن حرصه واهتمامه بعدم المس بفئات محدودي الدخل ولم يتطرق إلى شمول المتقاعدين بالاستقطاع ليكونوا أول المشمولين وبهذه السرعة التي تثير العديد من علامات الاستفهام ، ووجه الاستفهام هي السرعة والكفاءة النادرة التي نفذتها هيئة التقاعد في تنفيذ الاستقطاع لأكثر من مليونين و350 ألف متقاعد بساعات او أيام رغم الشكاوى المزمنة من بطء الإجراءات التي تتبعها ومن دليلاتها بقاء أكثر من 150 ألف موظف محال إلى التقاعد بدون رواتب تقاعدية منذ بداية العام الحالي بعد شمولهم بالقانون 26 لسنة 2019 بحجة عدم كفاية الإمكانيات لانجاز معاملاتهم بعد ، وعلى العموم فان الاستقطاع لم يحظى بقبول المتقاعدين بل إنهم عبروا عن عدم رضاهم بوسائل التواصل الاجتماعي التي لمحوا فيها بحقهم باتخاذ الأشكال الشرعية في التعبير عن الرفض بما يتوافق مع الأطر الرسمية والديمقراطية والدستور ، فهم يطالبون باسترجاع الاستقطاعات واتخاذ أساليب أكثر ملائمة في معالجة الخروقات في الرواتب التقاعدية عند ظهور تجاوزات او عدم استحقاق او تعدد مرات الدفع وغيرها من الضوابط التي نصدر بتشريع واضح ومعلن وشفاف ، فهم لم يرفضوا قرارات الدولة لان غالبيتهم من المضحين وممن قدموا أغلى ما عندهم ليكون الوطن في أفضل حال ، وقد توافق قرار مجلس النواب المتخذ في الجلسة المنعقدة بتاريخ 10 حزيران مع مطالب المتقاعدين حيث عبر عن رفضه لأي استقطاع يتم من رواتب المتقاعدين لأنه يشكل مخالفة قانونية ولا يستند لغطاء قانوني بموجب قانون التقاعد او قانون ضريبة الدخل فضلا عن مخالفته للدستور ، وفي تصريح لبعض أعضاء مجلس النواب حول الموضوع فقد أعربوا عن عدم مشروعية الإجراء وتضامنهم مع المتقاعدين ورفضهم لأي استقطاع لا يتم بقرارات من مجلس النواب ومن خلال المسار القانوني الصحيح .

وفي رد فعل للحكومة عن هذه الاستقطاعات فان التصريح الذي صدر عنها يقول إن الاستقطاع شمل شرائح محددة وبحدود 73% من المجموع ولم يشمل الجميع ولكن التصريح لم يحدد مدى مشروعية الاستقطاع وغطائه القانوني ، كما إن هيئة التقاعد تقول إن الاستقطاع تم استنادا لأمر من مجلس الوزراء ولكنها لم تحدد أسباب عدم إعلام المشمولين بمضمونه قبل التنفيذ ، ورغم هذه التصريحات فان خبراء القانون ولجان مجلس النواب لا تبرر الاستقطاع لأنه لم يستند إلى مسوغ وغطاء قانوني ويتقاطع مع المادة 28 من الدستور التي وضعت حرمة لمدخولات المتقاعدين نظرا للأدوار التي قدموها وحالاتهم الإنسانية كما إنها تتقاطع مع المادة 80 من الدستور التي تشير إلى آليات التشريع واتخاذ القرارات ، ومما لاشك فيه إن المتقاعدين كونهم مواطنين صالحين لا يرفضون أية إجراءات رسمية تستند إلى قرارات متكاملة وتأخذ بنظر الاعتبار أحوالهم وأوضاعهم كونهم لم يرتكبوا مخالفات ولا يستحقوا أن يعاملوا بطريقة تمس حقوقهم التي اكتسبوها بموجب التشريعات ، ولأن الاستقطاعات تمت رغما عنهم فمن الواجب التعامل معها بما يناسبها من الاجرءات لكي تأخذ مساراتها الصحيحة بما يحفظ حقوقهم ولا أكثر من الحقوق ، وحسب ما ورد في تعليقاتهم بوسائل التواصل الاجتماعي فنهم يطالبون الجهات الحكومية ومنظمات المجتمع المدني لاعتماد الشفافية فيما يتعلق بصندوق التقاعد كونهم مساهمين فيه من حيث إيرادات الصندوق ونفقاته واستثماراته ونتيجة أعماله وجدوى قراراته منذ تأسيسه وحتى اليوم ، فقد تأسس هذا الصندوق في مرحلة الديمقراطية وهو ليس من بقايا النظام البائد ، ومن حق المتقاعدين أن يتمتعوا بالمزايا التي يوفرها القانون وليس إبقائه مبهما وكأنه صندوق ( اسود ) لا يعلم أحدا من الجمهور عن محتوياته شيء ، وهم يطالبون أن تكون مستحقاتهم من هذا الصندوق وليس من نفقات او ( صدقات ) الحكومة لأنه وجد لوقاية المتقاعدين من التذبذبات والتغييرات السياسية والاقتصادية التي تمر بها الحكومات ، والأمنية التي تجمع غالبية المتقاعدين هي أن لا يكونوا حلقة تضيع بين الجهات التشريعية والتنفيذية ، فالمواد العاملة في قانون التقاعد الموحد ( المعدل ) رقم 9 لسنة 2014 تشير إلى ضرورة الحفاظ على دخل المتقاعدين بما يتناسب مع مستويات المعيشة والأخذ بنظر الاعتبار تأثير التضخم على مدخولاتهم وليس العكس ، كما إنهم من الوطنية التي تجعلهم يقفون إلى جانب الدولة في السراء والضراء ، ولكن ليس في الجانب الذي يجعلهم من اضعف الحلقات بحيث يكونوا أول من تطالهم الاستقطاعات وإجراءات الحكومة ( الجديدة ) في الإصلاح ومواجهة الازمات ، رغم إن إجراءاتها التفصيلية لا تزال في طور الدراسة والمقترحات ، لأنهم ليسوا كبش فداء فيما يتعلق بالحقوق التي اكتسبوها كاستحقاق فعلي مدفوع الثمن من الجانبين المادي والاعتباري و وليس صدقات .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى