مقالات

المعلم العراقي..من افندي لسائق تكسي!

المعلم العراقي..من افندي لسائق تكسي! – قاسم حسين صالح

كان الزمن الذهبي للمعلم هو النظام الملكي..ففيه كان يلقب بـ (الأفندي) لأنه ارتدى الزي الاوربي ولوضعه الاقتصادي المعتبر.والأهم..لأنه كان يحظى بالاحترام والاعتبار الاجتماعي.. ويعد القدوة في الثقافة والاخلاق والسلوك..وكان في ذاك الزمان ينظر اليه كما لو كان (رسولا) المقترن بتكريمه من قبل النبي محمد الذي قال (انما بعثت معلما).اذكر لكم حادثة واقعية تعكس كيف كانت للمعلم هيبة واحترام في اربعينات وخمسينات القرن العشرين كنت تعلمت التدخين وعمري (12) سنة..ذلك لأنني كنت ابن ديوان..وكان الجالسون كثيرا ما يكلفونني باشعال سجائرهم (عمو قاسم..ورّث هاي الجكارة من الموكد..موقد القهوة). وفي احد الايام كنت واضعا السجارة بفمي وامشي متبخترا في احد شوارع القرية..وهب..واذا انا ومعلمي وجها بوجه..لم ارمها..بل وضعتها في راحة يدي واطبقت كفي على جمرتها.هكذا كنا نحن تلاميذ ذاك الجيل..نحترم المعلم ونهابه ونخافه ايضا.الزمن الثاني هو زمن النظام السابق..وكان في سبعيناته يعيش وضعا اقتصاديا جيدا.اذكر اننا في السبعينات كنا نجوب بلدان اوربا الشرقية في العطلة الصيفية بألف دولار ونعود محملين بالهدايا..الى الثمانينات التي شكلت بداية تدهور مكانة المعلم..وتحديدا..يوم اجبر على الالتحاق بالجيش الشعبي، حتى لو كان استاذا جامعيا طرق باب الستين من السنين .ثم تلته الضربة الأوجع في زمن الحصار (1991-2003).. ففيه كان راتب المعلمة لا يساوي ثمن حذاء لها..وساء الحال الذي اضطر كثيرون الى فتح (بسطيات) في الشوارع،ووصل الأمر الى ان بعض الناس كانوا ينظرون للمعلم بعين العطف والشفقة..والتصدّق عليه (خطية..معلم!).وانمحت هيبة المعلم..واضطر هو الى ان يهدر بقيتها بقبوله هدايا(رشا) من الطلبة.في اواسط التسعينات..اجريت دراسة ميدانية عن التخلخل في المكانات الاجتماعية والاقتصادية تبين منها ان الأستاذ الجامعي الذي كان يحتل المرتبة الرابعة في قمة هرم المكانة الاقتصادية في المجتمع، تراجع في زمن الحصار الى المرتبة الرابعة والعشرين،وتراجعت مكانة المعلم الى المرتبة ما قبل الأخيرة بنقطتين!.وحدث في التسعينيات ايضا ان اضطر الأستاذ الجامعي الى ان يعمل سائق اجرة بسيارته الخاصة،واضطر آخرون ان يبيعوا أعز ما يملكون..مكتباتهم.والواقع ان السياسة كانت لها الدور الأكبر في الأساءة الى المعلم..بدأتها في ثمانينات القرن الماضي بزج الأستاذ الجامعي في الجيش الشعبي..وتبعتها بالتمييز الطائفي.ففي الزمن الثالث هذا (الزمن الديمقراطي!) وصل الحال الى ان احد الطلبة دخل القاعة الدراسية وسحب الأستاذ من سترته واخرجه..واهانه امام طلبته.ومثل هذا..وأشنع..حدث كثيرا لمجرد ان الطالب يتمتع بسلطة الحزب الفلاني.ومع اننا في اكثر من مؤتمر طالبنا ان تكون المؤسسات التربوية بعيدة عن السياسة..واتخذت فعلا بعض الاجراءات الا ان تأثير الأحزاب، الاسلامية بخاصة، ما زال موجودا،وما تزال الطائفية فاعلة على صعيد وزارة التعليم العالي تحديدا.فان جاء وزير شيعي صار في حال،وان جاء وزير سنّي صار في حال آخر..بسفاهة شرّ البلية ما يضحك!ثمة من لا يدرك ان دور المعلم يتعدى نشاطه في المدرسة،فبين المعلمين من هم مفكرون وأدباء بارزون وفنانون مبدعون،بل ان الكثير من القادة السياسيين الوطنيين كانوا في الأصل معلمين!..وكان المعلمون يشكلّون النسبة الأكبر من السجناء السياسيين!لا سيما في صفوف الحزب الشيوعي العراقي..ما يعني انهم بناة مجتمع..وتلك حقيقة ادركها هتلر الذي استثنى المعلمين من زجهم في الحرب،ولما سئل لماذا؟ اجاب..انهم هم الذين سيعيدون بناء المانيا بعد الحرب. وقبله كان الحكيم كونفوشيوس قد قسّم المجتمع الى ثلاث طبقات:الحكّام، الشعب، المعلمون..واوصى بالعناية بالطبقة الثالثة لانه بصلاحها يصلح المجتمع.ما المطلوب لأعادة دور المعلم وتفعيل رسالته في توعية المجتمع وبناء الوطن؟الأول:ان تبتعد السياسة عن المؤسسات التربوية؟الثاني:ان يتولى مسؤولية وزارتي التربية والتعليم العالي تربويون واكاديمييون اصحاب اختصاص..وليت يتولى التعليم العالمي اكاديمي بروفيسور..مسيحي!الثالث:ان يصادق البرلمان على قانون يحمي المعلم ويرعاه.الرابع:ان يعمل المعلم ذاته على اعادة الاعتبار لنفسه وان يكون بمستوى (كاد المعلم ان يكون رسولا).هل ترتقي السياسة ويرتقي المعلم نفسه الى ادراك ان معظم التحولات الايجابية وقادة التغيير في العالم كانوا معلمين..وان نعمل جميعا على تفعيل دور المعلم العراقي..الذي يحتاجه الآن في زمن المحنة؟في اليابان تقليد لطيف:في كل مناسبة تخرّج يجلس المعلمون ويضعون ارجلهم في طشوت ويقوم الطلبة بغسل اقدام معلميهم.طبعا طالبنا ما يسويها..بس عالأقل من يشوف المعلم..خل يذب الجكاره!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى