مقالات

المنطقة الحمراء

عبد الحميد الصائح

حرفةٌ عاليةٌ ومهارة بارزة في بناء الحدثِ العام وخارطة الحدّوتة التي تؤدي خيوطها اليه. في بناء الشخصيات واشباع وجودها وعلاقاتها داخلَ العمل. ثم صياغة لغتها بما يناسبها وكما يجبْ.حرفةٌ مبدعة في انشاءِ بيئةِ العرض، على صعيدِ الإضاءة وحركة الكاميرا ودلالات المكان وإستثمار الفراغ لذلك . دلالات ناعمة تلقائية وربط ذكي بين الإشارية في الحوار والواقعية في الحدث ، كي لايبدو الحوار هتافا مبالغا به حيث الربط المدروس بين التقريري والنفسي في مفردات العرض ، بين المتخيل المعنوي والمتخيل المادي. والأهم في الأمر أن سيناريو هذا العمل الفريد مختلف عن هياكل بناء المسلسلات المعتادة التي تذهب الى اطالة الأحداث والحلقات من خلال انشاء القصص المساندة ،وشخصيات الظل لتجمعها فيما بعد، هذا العمل بدأ بمشهد وأخذ يتدفق بالأحداث والتقاطعات والحكايات من داخله،فكان ولاّدا لها لا مستنداً اليها. (المنطقة الحمراء) عملٌ يقدح بالرسائلِ البليغة، بالواقعية المرّة العجائبية التي حَفل به العراقُ وشعبُه لثلاثة أجيال جعلها تقلّب الأحداث اثني عشرَ جيلا خلال نصف قرن من التاريخ الغامض الواضح والهروب من الألم إلى الألم ، وانقاذ المصير الفردي اللامجدي أمام المصير الجماعي الرهيب حائرا بين أن ينتقم من جلاديه وان يجلد ذاته.عالم (المنطقة الحمراء) هذا صنعه مبدعون سَحَرةٌ مثل مهند حيال وعلي رحيم وآوات علي ومن معهم وهم يعملون خارج المركزية المالوفة فتراهم جميعا في كل زاوية ولقطة وقطع وبقعة ضوء برؤى جماعية تنتظم مع رؤيا بسام قهار لتسانده مخرجا على تمثيلة وممثلا على إخراجه ليظهر براعته المعتادة في الأداء وهو يطوّع باحساس أخّاذ كل ادوات الانسجام في تمثيله الذي أعرف مستواه العالي منذ بداياته ، مسرح – سينما – تلفزيون، ليتماهى معه الممثلون الكبار الذين تألقوا والجدد الواعدون الذين كبروا معهم في عمل مدروس بعناية كهذا استفزّ قدراتهم الكامنة فكانوا ممثلين بارعين منتمين يعيشون حياةً أخرى في أدوارهم.هذه مجرد عناوين لتحية وتهنئة مبكرة لصديقي المبدع المخلص باسم قهار ولمن معه جميعاً، لمنطقته الحمراء التي تستحق وقفة ودراسة تفصيلية لجسد العمل كاملا قصة واخراجا وتمثيلا وعناصر فنية أخرى ، لتأشير عناصر النجاح منهجيا كي تكون خارطة طريق وسط متاهة الدراما العراقية الغزيرة بالمبدعين الكبار، والشحيحة في فرص نجاحها وتفوقها محلياً وأبعد من ذلك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى