مقالات

الوزارات والأرقام الموروثة

د. فاتح عبدالسلام‭

‬في‭ ‬العمل‭ ‬العسكري،‭ ‬أقول‭ ‬متأكداً‭ ‬من‭ ‬انّ‭ ‬وزير‭ ‬الدفاع‭ ‬يعرف‭ ‬عن‭ ‬ظهر‭ ‬غيب‭ ‬كم‭ ‬عدد‭ ‬الجنود‭ ‬في‭ ‬فصيل‭ ‬المشاة،‭ ‬أو‭ ‬السرية،‭ ‬أو‭ ‬الفوج،‭ ‬أو‭ ‬اللواء،‭ ‬أو‭ ‬الفرقة،‭ ‬وكم‭ ‬فوجا‭ ‬في‭ ‬اللواء؟‭ ‬وكم‭ ‬لواءً‭ ‬في‭ ‬الفرقة؟‭ ‬وكم‭ ‬دبابة‭ ‬في‭ ‬الرعيل‭ ‬أو‭ ‬الكتيبة؟‭ ‬وماذا‭ ‬تضم‭ ‬كتيبة‭ ‬المدفعية،‭ ‬كسياقات‭ ‬عسكرية‭ ‬ثابتة،‭ ‬تنبني‭ ‬عليها‭ ‬أية‭ ‬خطوة‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬السلم‭ ‬أو‭ ‬الحرب،‭ ‬في‭ ‬ظرف‭ ‬الدفاع‭ ‬او‭ ‬ظرف‭ ‬الهجوم‭. ‬وما‭ ‬هو‭ ‬الاحتياط‭ ‬الثابت؟‭ ‬وكم‭ ‬مقدار‭ ‬الاحتياط‭ ‬المتحرك‭ ‬في‭ ‬البشر‭ ‬والمعدات؟‭ ‬وبرغم‭ ‬ذلك‭ ‬وجدت‭ ‬الحكومات‭ ‬كميات‭ ‬من‭ ‬الأرقام‭ ‬الوهمية‭ ‬أو‭ ‬المُخلة‭ ‬للتشكيل‭ ‬النموذجي‭. ‬في‭ ‬مقابل‭ ‬هذا‭ ‬الوزير،‭ ‬يوجد‭ ‬وزراء‭ ‬نفترض‭ ‬ان‭ ‬يعرفوا‭ ‬تفاصيل‭ ‬سياقات‭ ‬ثابتة‭ ‬في‭ ‬أعمالهم،‭ ‬يؤسسون‭ ‬عليها‭ ‬أفكار‭ ‬تطوير‭ ‬وزاراتهم‭. ‬هل‭ ‬نتوقع‭ ‬من‭ ‬وزير‭ ‬التربية‭ ‬ان‭ ‬يعرف‭ ‬كم‭ ‬العدد‭ ‬النموذجي‭ ‬لطلبة‭ ‬الصف‭ ‬الأول‭ ‬او‭ ‬الثاني‭ ‬الابتدائي،‭ ‬وهي‭ ‬مرحلة‭ ‬التأسيس‭ ‬التعليمي‭ ‬والمعرفي‭ ‬والتربوي‭. ‬وهل‭ ‬يعرف‭ ‬الوزير‭ ‬على‭ ‬ماذا‭ ‬يجلس‭ ‬التلاميذ‭ ‬الصغار‭ ‬في‭ ‬أقضية‭ ‬ونواحي‭ ‬مدينة‭ ‬العمارة‭ ‬او‭ ‬الناصرية‭ ‬او‭ ‬البصرة‭ ‬او‭ ‬سواها‭. ‬هل‭ ‬رأينا‭ ‬استفاضة‭ ‬في‭ ‬الخوض‭ ‬في‭ ‬تفاصيل‭ ‬بناء‭ ‬الوزارة‭ ‬من‭ ‬الوزير‭ ‬الذي‭ ‬يظن‭ ‬ان‭ ‬مكتبه‭ ‬هو‭ ‬ساحة‭ ‬عمله‭ ‬الوحيدة،‭ ‬وهذا‭ ‬الكلام‭ ‬ليس‭ ‬خاصا‭ ‬بوزير‭ ‬التربية،‭ ‬أو‭ ‬التعليم،‭ ‬أو‭ ‬الداخلية،‭ ‬أو‭ ‬الثقافة،‭ ‬أو‭ ‬الهجرة‭ ‬والمهجرين،‭ ‬أو‭ ‬التخطيط،‭ ‬أو‭ ‬غيرهم‭. ‬أسباب‭ ‬ذلك‭ ‬العمى‭ ‬الوظيفي‭ ‬في‭ ‬الإحاطة‭ ‬بشؤون‭ ‬هيكلية‭ ‬الدولة‭ ‬كل‭ ‬عبر‭ ‬تخصصه‭ ‬ومجاله،‭ ‬يرجع‭ ‬الى‭ ‬الاتيان‭ ‬بوزراء‭ ‬غير‭ ‬متخصصين،‭ ‬برغم‭ ‬من‭ ‬حمل‭ ‬بعضهم‭ ‬شهادات،‭ ‬وفي‭ ‬ظل‭ ‬شعور‭ ‬الوزير‭ ‬انه‭ ‬جالس‭ ‬في‭ ‬مقعد‭ ‬الحصة‭ ‬غير‭ ‬الخاضع‭ ‬للمساءلة‭ ‬إلا‭ ‬من‭ ‬حزبه‭ ‬أو‭ ‬حين‭ ‬تنفتق‭ ‬مشاكل‭ ‬كبيرة‭ ‬واغلبها‭ ‬سياسي‭ ‬ضده‭.‬‭ ‬الوزراء‭ ‬يفهمون‭ ‬لغة‭ ‬الأرقام‭ ‬بطريقة‭ ‬خاطئة،‭ ‬ذلك‭ ‬انهم‭ ‬يستندون‭ ‬الى‭ ‬احصائيات‭ ‬اغلبها‭ ‬افتراضي،‭ ‬ليس‭ ‬في‭ ‬اعداد‭ ‬البشر‭ ‬لكن‭ ‬في‭ ‬امكاناتهم‭ ‬ومهاراتهم،‭ ‬وهي‭ ‬أرقام‭ ‬متوارثة‭ ‬غالباً‭ ‬وخاضعة‭ ‬لسطوة‭ ‬وكيل‭ ‬الوزير‭ ‬ومجموعة‭ ‬المديرين‭ ‬العامين‭ ‬شبه‭ ‬الأبديين،‭ ‬لكل‭ ‬حكومة،‭ ‬لذلك‭ ‬نرى‭ ‬معظم‭ ‬الوزراء‭ ‬يتحدثون‭ ‬بلغة‭ ‬ارقام‭ ‬لا‭ ‬تطابق‭ ‬الواقع‭ ‬الا‭ ‬في‭ ‬أطر‭ ‬عامة،‭ ‬كونه‭ ‬لم‭ ‬ينزل‭ ‬الى‭ ‬مواقع‭ ‬العمل‭ ‬والإنتاج‭ ‬ولم‭ ‬يصنع‭ ‬الاليات‭ ‬التي‭ ‬تجعل‭ ‬مساءلة‭ ‬الحلقات‭ ‬الأدنى‭ ‬مهنية‭ ‬وليست‭ ‬خاضعة‭ ‬لسقف‭ ‬التوافقات‭ ‬السياسية‭. ‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى