تقارير وتحقيقات

جدل واستغلال سياسي في العراق.. بشأن زيارة البابا التاريخية

أثارت زيارة بابا الفاتيكان فرانشيسكو للعراق جدلا بالأوساط السياسية والشعبية، بسبب تباين القراءات إزاءها ومنحها مدلولات تقترب من الحدث التاريخي أو تبتعد عنه، فضلا عن انعكاس الاستقطاب السياسي والمجتمعي على مجريات الزيارة.

واستقبل البابا -لدى وصوله مطار بغداد الجمعة الماضية- رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، والتقى البابا بعدها الرئيس العراقي برهم صالح، يرافقه جمع من قادة الكتل السياسية والوزراء، ثم زار كنيسة النجاة في بغداد.


ومثّل لقاء بابا الفاتيكان والمرجع البارز السيد علي السيستاني -في محافظة النجف أمس السبت- علامة فارقة في أجواء الزيارة، وسط آمال بأن يشجع اللقاء الحوار الديني ويرسخ التعايش بين مكونات الشعب العراقي، كما زار البابا مدينة أور الأثرية في محافظة ذي قار جنوبي العراق، حيث أقام فيها “صلاة الأديان” بحضور ممثلين عن مختلف المذاهب والقوميات، ثم عاد بعدها إلى بغداد وأقام قداس في كنيسة سيدة مار يوسف.


واليوم وصل البابا إلى أربيل وانتقل بعدها إلى الموصل، حيث زار الكنائس هناك، وعاد إلى أربيل ليقيم قداسا في ملعب دولي فيها.

ورغم الأجواء الإيجابية والتفاعل الشعبي الواسع والدعم الحاصل للزيارة، فإن شخصيات سياسية ودينية أبدت ملاحظات على مجرياتها، انطلاقا من فكرة التمثيل المكوّناتي في كل شيء، وهي فكرة تحكم العملية السياسية في بلاد الرافدين منذ عام 2003.


ولئن كان جدول البابا تضمن زيارة المرجع الشيعي الأعلى في العراق علي السيستاني في النجف (جنوب بغداد) وزيارة أربيل (مركز إقليم كردستان) فإن برلمانيين وشخصيات دينية من المكون السني تساءلوا عن سبب خلو الزيارة من أي لقاء بشخصيات سنية، أو زيارة المجمع الفقهي العراقي في جامع أبي حنيفة النعمان، وهو أبرز مرجعية للسنة في البلاد.


رئيس البرلمان العراقي محمد الحلبوسي تمكن من اختراق جدول الزيارة والحصول على لقاء منفرد مع بابا الفاتيكان في قصر السلام بالعاصمة بغداد، على الرغم من أن هذا اللقاء لم يكن مدرجا ضمن جدول أعمال الزيارة، لكن رئيس الجمهورية برهم صالح تمكن من ترتيب هذا اللقاء الفوري، وفق مصادر واكبت أجواء الزيارة تحدثت عن ذلك.

ترحيب وتحفظ


ويبدي خطيب جامع الإمام أبو حنيفة النعمان الشيخ مصطفى البياتي تحفظه على عدم تضمين جدول زيارة البابا لقاء علماء المجمع الفقهي، باعتباره يمثل واجهة الإفتاء السني في البلاد والممثل الرسمي للسّنة.


ويقول البياتي إن زيارة البابا إلى العراق هي خطوة مهمة تساهم في عودة العراق لأخذ موقعه الصحيح.


وأضاف أنه رغم أن البابا زار جهات معنوية شيعية ومسيحية وكردية، فإن جدول الزيارة خلا من جهة معنوية سنية، وهذا لا يتفق مع رسالة المحبة والسلام واحترام كل المكونات التي جاء بها البابا.


الأداء السياسي والخدمي


واستعدادا لزيارة البابا أُنشئت عدة مشاريع خدمية مثل تعبيد الطرقات وصبغ الأرصفة وتغطية بعض المباني، كما حصل في محافظة النجف، وهو ما أعاد ملف الأداء السياسي والخدمي إلى الواجهة، وفق القيادي في جبهة الإنقاذ والتنمية أثيل النجيفي.


ويقول النجيفي، إن الكتل السياسية العراقية تعاني إخفاقا كبيرا في إدارة الدولة، ولا تمتلك حلولا لأزمات البلد المتفاقمة من فساد وسلاح منفلت وأزمات سياسية واقتصادية عديدة.


وأضاف أنه في هذه الظروف جاءت زيارة البابا للعراق، وحرصت الكتل السياسية على التغافل عن كل أزمات البلد والترويج للقاء مع البابا وكأنه حدث سياسي أو نصر أمني واقتصادي.
وأمل النجيفي أن يلتقط البابا الملاحظة التي أبدتها المرجعية بعدم السماح لأي سياسي عراقي دخول منزله في النجف بصحبة البابا.


انفتاح ثقافي وديني


وأعاد لقاء السيستاني وبابا الفاتيكان الجدل بشأن مركزية المرجعية الشيعية وتمثيل الطائفة بين أتباع السيستاني ومرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي.


ويرى الأمين العام لتيار “مواطنيون” غيث التميمي أن أهمية هذه الزيارة تكمن في تاريخيتها، حيث يزور بابا الفاتيكان العراق أول مرة، علما أن الوجود المسيحي في العراق أقدم من الفاتيكان نفسه، والكنيسة العراقية أقدم من الكنيسة الكاثوليكية نفسها، كما أنها تمثل قيمة معنوية كبيرة للمسيحيين العراقيين الذين تعرضوا للتغييب والتهميش والانتهاك.


وأضاف التميمي، أن لقاء المرجع السيستاني مع البابا يخرج التشيع التقليدي والنجف من عزلتها الروحية، ويفتح الباب لمزيد من الانفتاح الثقافي والروحي الضروري لدور النجف والتشيع التقليدي.

وتابع، أن زيارة البابا إلى زقورة أور في الناصرية دعوة “للجغرافيا الإبراهيمية” وأهمية العراق في ترسيخ قيم السلام والاستقرار في المنطقة والعالم، خصوصا بين أتباع الديانات الإبراهيمية.


من جهته، أكد القيادي البارز في التيار الصدري حاكم الزاملي أن الزيارة مهمة للعراق وستصب في صالحه، حيث سلطت الأضواء عليه من خلال الإعلام الدولي المواكب للزيارة، وهذا سينعكس إيجابيا على وضع العراق الداخلي ومسألة السياحة وإبراز الثقافة والحضارة التي يتمتع بها العراق إلى الدول الأخرى، خاصة أن جدول الزيارة تضمن فعاليات كبيرة مثل لقاء رئيس الجمهورية والمرجع علي السيستاني، ومدينة أور مهد النبي إبراهيم.


وبشأن الجدل الدائر بشأن لقاءات البابا، أضاف الزاملي أن الزيارة معدة وفق جدول مسبق، وتضمنت لقاء شخصيات محددة، وهي وإن كانت لم تشمل جميع العراقيين والشخصيات البارزة والمهمة لكننا نرحب بها وبكل ما تضمنته، على رغم أنها لم تكن مكتملة.


ولفت إلى أن هناك شخصيات أخرى وزعامات مهمة كان يفترض أن يتم اللقاء بها، لكن العذر هو أن الوقت محدود، وأن البابا رجل كبير في السن، ولا يمكنه التجول بشكل أكبر.


وعن الزيارة، أعرب الأب مخلص ششا -وهو أحد المرافقين للبابا- عن أمله أن تكون بركة على العراق والعراقيين، وزيارة خير للسياسيين.


وأضاف ششا: “أننا بحاجة إلى بذل المزيد من الجهد في هذه الأرض، وهذه رسالة البابا، ونحتاج في المجال السياسي أن نجعل الرجل المناسب في المكان المناسب، وأن نتعلم درسا كبيرا من شخصية البابا المتواضعة، ونأمل أن يكون في العراق شخصيات من تلك النماذج”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى