مقالات

حكايتنا والفيل الطائر

د. نزار محمود

تحمل‭ ‬مخيلتنا‭ ‬صورة‭ ‬ذلك‭ ‬الصبي‭ ‬الرشيق‭ ‬الخفيف‭ ‬بحركاته‭ ‬وهو‭ ‬يطير‭ ‬مع‭ ‬بساط‭ ‬الريح‭ ‬فوق‭ ‬قباب‭ ‬بغداد‭ ‬وأسواقها،‭ ‬منزلقاً‭ ‬بين‭ ‬سحابات‭ ‬السماء‭ ‬الزرقاء،‭ ‬ومتلصصاً‭ ‬بنظره‭ ‬ومحدقاً‭ ‬في‭ ‬شرفة‭ ‬الأميرة‭ ‬الجميلة،‭ ‬وهو‭ ‬يزهو‭ ‬بعمامته‭ ‬وقميصه‭ ‬وسرواله‭ ‬وحذائه‭ ‬الأحمر‭.‬لم‭ ‬نكن‭ ‬نتصور،‭ ‬ولا‭ ‬يمكننا،‭ ‬ان‭ ‬ذلك‭ ‬البساط‭ ‬يستطيع‭ ‬أن‭ ‬يحمل‭ ‬فيلاً،‭ ‬ولا‭ ‬أن‭ ‬نعتقد‭ ‬ان‭ ‬فيلاً‭ ‬يجرؤ‭ ‬على‭ ‬امتطاء‭ ‬بساط‭ ‬والارتفاع‭ ‬به،‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬حركات‭ ‬أو‭ ‬مناورات‭.‬غير‭ ‬ان‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬الاستغراب‭ ‬لا‭ ‬يصح‭ ‬في‭ ‬عراق‭ ‬اليوم‭!!‬يبدو‭ ‬ان‭ ‬حكايات‭ ‬الف‭ ‬وليلة‭ ‬لم‭ ‬تتوقف،‭ ‬وأنه‭ ‬يجب‭ ‬على‭ ‬شهرزاد‭ ‬أن‭ ‬تصحو‭ ‬من‭ ‬غفوتها‭ ‬الطويلة‭ ‬وأن‭ ‬تعاود‭ ‬الحديث‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬يجري‭ ‬من‭ ‬عجائب‭ ‬في‭ ‬بغداد‭ ‬القرن‭ ‬الحادي‭ ‬والعشرين‭. ‬انني‭ ‬على‭ ‬يقين‭ ‬انها‭ ‬ستروي‭ ‬من‭ ‬الحكايات‭ ‬عن‭ ‬عراق‭ ‬اليوم‭ ‬ما‭ ‬تنوء‭ ‬بحمله‭ ‬مجلدات‭! ‬حتى‭ ‬انها‭ ‬سوف‭ ‬لا‭ ‬تنسى‭ ‬السفن‭ ‬الفضائية‭ ‬السومرية‭ ‬التي‭ ‬تحدث‭ ‬عنها‭ ‬وزير‭ ‬النقل‭ ‬الحمامي‭! ‬طبعاً،‭ ‬وغيرها‭ ‬كثير‭ ‬الكثير‭. ‬ستتحدث‭ ‬عن‭ ‬ما‭ ‬حل‭ ‬بابناء‭ ‬القادسية‭ ‬من‭ ‬هزائم،‭ ‬وعن‭ ‬ما‭ ‬يعشعش‭ ‬في‭ ‬رؤوس‭ ‬الناس‭ ‬من‭ ‬جهل‭ ‬وتخلف،‭ ‬وعن‭ ‬الأبناء‭ ‬الذين‭ ‬لا‭ ‬يعدون‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬حصرهم‭ ‬من‭ ‬أبناء‭ ‬علي‭ ‬بابا‭ ‬ومغاراتهم‭ ‬الكبيرة‭. ‬وعن‭ ‬ما‭ ‬حل‭ ‬بالدينار‭ ‬العراقي‭ ‬وتمره‭ ‬ونخله‭ ‬ومياهه‭.‬هل‭ ‬ستصدق‭ ‬شهرزاد‭ ‬ما‭ ‬يقوله‭ ‬الاعلام‭ ‬عن‭ ‬ديمقراطية‭ ‬الحكم‭ ‬وسيادة‭ ‬العراق‭ ‬والعدالة‭ ‬بين‭ ‬المواطنين؟‭ ‬كل‭ ‬يوم‭ ‬تقابل‭ ‬شهرزاد‭ ‬آلافاً‭ ‬من‭ ‬العاطلين‭ ‬عن‭ ‬العمل،‭ ‬وماذا‭ ‬ستقول‭ ‬لهم؟‭ ‬كيف‭ ‬ستطيب‭ ‬خاطر‭ ‬الملايين‭ ‬من‭ ‬الأرامل‭ ‬والأيتام‭ ‬والمطلقات؟لم‭ ‬تصدق‭ ‬شهرزاد‭ ‬حكاية‭ ‬طيران‭ ‬الفيل‭ ‬التي‭ ‬سمعتها‭ ‬وهي‭ ‬في‭ ‬رقدتها‭ ‬ودفعتها‭ ‬للنهوض‭ ‬لتصرخ‭ ‬في‭ ‬وجوه‭ ‬الناس‭ ‬مسفهة‭ ‬عقولهم‭ ‬وتسأل‭: ‬أروني‭ ‬كيف‭ ‬يطير‭ ‬الفيل‭ ‬على‭ ‬بساط‭ ‬الريح؟‭ ‬لكنها‭ ‬تفاجأت‭ ‬وتراجعت‭ ‬واعتذرت‭ ‬وأسرعت‭ ‬للعودة‭ ‬إلى‭ ‬غفوتها،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬رأت‭ ‬ما‭ ‬يفوق‭ ‬الفيل‭ ‬ممتطياً‭ ‬بساط‭ ‬ريح‭!‬رأت‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬لا‭ ‬يرضى‭ ‬ان‭ ‬يكنى‭ ‬بالعراقي،‭ ‬ورئيساً‭ ‬للوزراء‭ ‬لا‭ ‬يسعى‭ ‬الى‭ ‬سيادة‭ ‬بلده،‭ ‬ورئيساً‭ ‬للبرلمان‭ ‬يدير‭ ‬لعبة‭ ‬الفرقة‭ ‬والتناحر‭ ‬بين‭ ‬كتل‭ ‬بشرية‭!‬رأت‭ ‬العالم‭ ‬جاهلاً،‭ ‬والجندي‭ ‬هارباً،‭ ‬والامام‭ ‬حرامياً،‭ ‬والشرطي‭ ‬سارقاً،‭ ‬والقاضي‭ ‬مرتشياً،‭ ‬والاستاذ‭ ‬طالباً،‭ ‬والزارع‭ ‬آكلاً،‭ ‬والراوي‭ ‬عطشاناً،‭ ‬والقوي‭ ‬ضعيفاً‭ ‬والضعيف‭ ‬قوياً‭!‬لم‭ ‬يبق‭ ‬لشهرزاد‭ ‬الا‭ ‬ان‭ ‬تصدق‭ ‬حكاية‭ ‬الفيل‭ ‬الطائر،‭ ‬وأن‭ ‬تبصم‭ ‬بالعشرة‭ ‬على‭ ‬رؤيتها‭ ‬له،‭ ‬وأنها‭ ‬تعتذر‭ ‬عن‭ ‬خطأ‭ ‬موقفها‭ ‬من‭ ‬الحكاية‭!‬تصبحون‭ ‬على‭ ‬خير”‭ ‬قالتها‭ ‬ومضت‭ ‬الى‭ ‬رقود‭ ‬عميق‭ ‬تحاول‭ ‬إسكات‭ ‬غضبها‭!!‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى