مقالات

حين تكون الديمقراطية كابوساً

حين تكون الديمقراطية كابوساً – نوزاد حسن

اعترف:ان القضية بدأت معي قبل سقوط نظام صدام حسين.ففي ذلك الوقت كنت غاضبا جدا,وتائها بكل معنى الكلمة.ان النظام الشمولي يقتل عند البشر ذلك الاحساس الرائع بالوطن.بل يصاب الناس بالملل الذي يشبه حالة الشيخوخة المحطمة حين يجدون ان نظامهم السياسي يريد ان يبقى اطول فترة ممكنة.ما حدث لي هو انني اصبت بضعف في ذاكرتي فصار النسيان يمسح بفرشته السوداء كل ما اقرأه.كما انني فقدت الاحساس بكل شيء من حولي,وكأني سجين في زنزانة كبيرة ادور في ارجائها طوال الوقت.لم اعد احس بشيء لكني كنت مليئا بعشقي لامكنة فقدت جمالها بسبب الاهمال.كان لدي الوطن,وبعض التاريخ الذي ينطق به حجر مسجد الاحمدية,او مرقد الحلاج. بعد اسقاط نظام صدام حسين بدا القلق يأخذ شكلا اخر.انه قلق مستمر لا ينتهي.ان حكايات الفساد,والصراع السياسي,والهيمنة الاقليمية والدولية وضعف النظام السياسي تجعل اي شخص يعاني من حالة عامة من الممكن تسميتها بالكآبة الوطنية التي تعني ان الناس قلقين على الدوام من شيء ما. لذا يمكن تقسيم الناس الى فئتين هما:الفئة الاولى فئة تعيش كل همومها وهي تنتظر لحظة الحصول على فرصة ذهبية تقلب الحال الى وضع افضل,وهذه الفئة لديها امل ما. اما الفئة الثانية فهم اولئك الذين يحسون بانهم خائفين وحزانى لان الوطن بلا نظام سياسي حقيقي.ان حديث الفساد يشبه حكم الاعدام بالنسبة الى الفئة الثانية.الوطن يعني لهم كل شيء.وحديث الصراع السياسي يفهمونه على انه خيانة,وان الامتيازات تصيبهم بدوامة من الشك بان الانسان مخلوق من شهوتين هما حب المال والمنصب.هكذا يفكر اصحاب الفئة الثانية,وانا منهم. لقد احرق الوطن ملايين الخلايا في داخلي,وجعلني وحيدا مع كآبة لا علاج لها.ومن الطريف انني وفي لحظة بحث اكتشفت ان جميع الذين ينتمون الى الفئة الثانية اولئك الخائفين على وطنهم,ويتمنون ان يكون اكثر تطورا وموحدا اقول ان جميع تلك الفئة هم يشبهون مكيافلي.لقد عثرت على دراسة نقدية لاليوت اوضح فيها ذلك الناقد العظيم ان مكيافلي اسيء فهمه,وانه كان وطنيا جدا,وخائفا على ايطاليا من التمزق.وكان شعوره الوطني صادقا الى ابعد الحدود.في الواقع كشفت لي دراسة اليوت وجها جديدا لمكيافللي الذي كونا عنه صورة بشعة لا تطاق.مكيافللي كما قدمه اليوت في مقال تحليلي رائع هو شخص معذب بحب ايطاليا التي تمزقت جراء صراع الامراء,وكان مكيافللي يعاني جدا ويفكر كيف يجعل من ايطاليا موحدة.اذن نحن امام عاطفة انسانية رائعة لم نكن نعرفها عن ذلك الايطالي المعذب.ويبدو اننا نمر بما مر به مكيافللي ذلك لان ما نعانيه ونعيشه من خراب سياسي كفيل بان يجعلنا بشرا نتعذب ان كنا نتحدث عن حب حقيقي للبلد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى