مقالات

ذكرى احداث 11 سبتمبر والحرب الامريكية القادمة

موسى جعفر

تجدد الذكرى السنوية لاحداث 11 سبتمبر/ايلول 2001 ردود افعال متباينة بين الرفض والادانة لجريمة بشعة ارتكبت باسم الاسلام وادت الى مقتل الالاف من المدنيين ، وبين مشكك في الرواية الرسمية التي القت اللوم بشكل كامل على خلية ارهابية (من المسلمين العرب ) تنتمي الى تنظيم القاعدة بزعامة (اسامة بن لادن ) ، واخر يلقي اللوم والتبعات كلها على المؤسسات الاستخبارتية الامريكية التي لم تعطي تفسيرا مقنعا عن كيفية التماثل الدقيق في انهيار البنايتين التؤام لمركز التجارة العالمية وبشكل يشابه طريقة التفجير الداخلي المتبعة لهدم البنايات القديمة ، ولا في كيفية انهيار البناية (رقم 7 ) التي لم تستهدف بشكل مباشر بطائرة ولكنها انهارت بالشكل نفسه الذي انهارت به بنايتي مركز التجارة العالمي . ولاستحالة وجود تحقيق دولي او محايد في تفاصيل الحادث والاعتماد فقط على الرواية الرسمية لكون الولايات المتحدة الامريكية هي الدولة الاقوى عالميا وكل ما تقوله او تفعله صحيح ولا يناقش .

لكن لنا ان نفتح نافذة جديدة تحوم حول احداث ايلول وربما تضع تفسيرا قريبا وبدون الخوض في التفاصيل.فامريكا بدأت كدولة بعد حرب الاستقلال مع الامبراطورية البريطانية وكانت في جعبتها الكثير من المشاكل من بينها شكل الدولة الذي يرتكز الى الاتحاد بين ولايات كانت تمتلك من النفوذ والثروة ما يجعلها دولا مستقلة ومشكلة التجارة الخارجية والتعامل مع الرق وهي العوامل التي ادت مجتمعة الى نشوب الحرب الاهلية .

وكذلك هناك مشكلة الحدود التي لم تكن واضحة على الارض وتعطش الشعب الامريكي في التوسع وضم المزيد من الاراضي سواء بشرائها او بالهجرة او بالقوة العسكرية . فلهذه الاسباب جعلت الرئيس الامريكي (جيمس مونرو ) يدعوا الى عزل امريكا عن العالم القديم فيما عرف لاحقا بمبدأ (مونرو ) الذي يرتكز الى ان العالم القديم للعالم القديم والعالم الجديد لاهله ، فمهد هذا الى وضع امريكا في عزلة عن مجريات الاحداث في القارات القديمة التي كانت تتصارع فيها عدد من القوى الامبريالية على مراكز النفوذ والثروات .الى ان حلت الحرب العالمية الاولى ولم يكن لامريكا فيها ناقة ولا جمل الا انها جرت الى هذه الحرب جرا (وفي سنواتها الاخيرة ) بسبب تورطها بتقديم مساعدات الى حليفتها بريطانيا ، حيث اكتشف اصحاب رؤس الاموال والشركات الكبرى ان الحرب استثمار مربح يدر ارباحا طائلة خلال فترة قصيرة لايمكن تحقيقها في عقود .

هذه النظرة الانتهازية بقيت ماثلة في العقلية الامريكية بعد الحرب الاولى وما تلها من كساد اقتصادي كبير شغل صناع القرار في امريكا عن التفكير في المزيد من التوسع خارج القارة الجديدة . الى ان حلت الحرب العالمية الثانية وكان لانهيار خطوط دول الحلفاء امام التقدم السريع لجيوش المانيا وتهديدها لحليفتها الاولى في قارة اوربا ( بريطانيا ) جعل الساسة الامريكان يضعون كل امكاناتهم العسكرية واللوجستية امام تصرف بريطانيا وخسرت بسببه امريكا الكثير من السفن التجارية المحملة بالمساعدات الغذائية والاسلحة والذخائر جراء هذا التدخل .

وبالرغم من كونها لم تدخل الحرب بشكل رسمي الا ان القوات البحرية الامريكية شاركت في فرض حصار بحري على السفن المتوجه الى اليابان او المانيا في طريقة تشبه الى حد كبير ما تقوم به في الوقت الحاضر من حصار واستفزازات تجاه ايران . الى ان حلت ضربة مستحقة من قبل البحرية اليابانية الى قاعدة (بيرل هاربر ) الامريكية في المحيط الهادئ فوجدت امريكا الذريعة التي كانت تبحث عنها لدخول الحرب رسميا ، وخلال سنوات الحرب قفزت ارباح الشركات الامريكية الى ارقام خيالية لم تكن متوقعة ، الا ان الربح الاكبر كان في تزعم الولايات الامريكية للعالم في مجال الاقتصاد وفرض هيمنة كاملة للدولار الامريكي بعد انتهاء الحرب وجعل مقر منظمة الامم المتحدة في مدينة نيوورك وتاسيس مجلس الامن الذي تهيمن فيه امريكا على ثلاث اصوات ( امريكا نفسها وبريطانيا وفرنسا ) فيه جعل العالم يبدو كانه اصبح خاتما باصبعها .

الا ان سرعة نمو الشيوعية وانتشارها في الكثير من الدول اخر تحقيق الهيمنة المطلقة على العالم وبدأت سنوات طويلة من الحرب الباردة التي انتهت بانتصار امريكا وحلفائها ( او تابعيها ) على المعسكر الشيوعي ، فلم يبقى امام رجال الاعمال والشركات الكبرى التي صارت تتحكم اكثر اوكثر بصنع القرار في امريكا الا ان تنتظر عذرا مقنعا ( كبيرل هاربر ) لتعلن رسميا امام العالم بانها هي القوة الاكبر وتفرض الهيمنة الاقتصادية لشركاتها على كل دول العالم.

لهذه الاسباب كانت احداث 11 سبتمبر/ايلول التي تحتمل اما انها جرت بتدبير من قبل اجهزة الاستخبارات الامريكية بشكل كامل ، او انها علمت بتخطيط جماعة اسامة بن لادن لهذا الهجوم فغضت عنه الطرف وربما ساعدت في اضافة شيء من (الاكشن ) لجعل البنايات الثلاث تنهار بشكل عمودي متناسق تناسقا تاما لايترك للصدفة اي مجال . فكان لامريكا ما ارادت من احتلال لافغانستان والعراق وعقوبات لكل من ايران وروسيا والصين وحلب متواصل لدول اوربا والخليج.الاجواء الان تشابه الى حد كبير فترة الحرب العالمية الثانية قبل دخول امريكا طرفا فيها ، فالاستفزازت في كل مكان وطبول الحرب تقرع في جميع اطراف الارض سواء في مياه الخليج او في شرق البحر الابيض المتوسط او في افريقيا على خلفية مشكلة نهر النيل او في بحر الصين او شرق اوربا .

ربما سيكون من المناسب ان تدخل الولايات الامريكية في حرب جديدة لفرض هيبتها على كل العالم ليس اقتصاديا فقط بل وسياسيا وتلغي منظمة الامم المتحدة (الميتة سريريا ) ومجلس امنها الوقح – الذي يعارض بين الحين والاخر سلطتها المطلقة – لتحل محله مجلسا يدار بالكامل من قبل امريكا وبعض الدول التي تضمن ولائها التام ، وتنهي قرارات منظمة التجارة الدولية وتسن هي القرارات التي تصب في مصلحتها فقط ، وترغم اي دولة صاعدة مثل الصين بان تخضع صاغرة لارادتها وتنفذ اوامرها كما تفعل دول الخليج بكل خضوع وتفاخر ، وتعجل من رغبة والحاح المتشددين الانجلين في قيام دولة اسرائيل الكبرى . وطبعا سيحتاج صانع الافلام السياسية الامريكية الى عنصر يضيف فيه شيء من الاثارة الى عناصر القصة وذلك بخلق (افتعال ) ضربة جديدة وقوية لمصالح امريكا المنتشرة في كل بقاع الارض من اجل تحشيد الرأي العام الدولي وبناء تحالف جديد لاستهداف دول (محور الشر ) مثل الصين وروسيا وايران وارغام الدول الاخرى المارقة مثل فنزولا وكوبا وكوريا الشمالية الى التسليم الى السيد المطلق للعالم الجديد.لكن ليست الامور بهذه البساطة ،فهذه المرة امريكا تختلف في ظروفها عن سابقاتها فهي كامبراطورية تمر بمرحلة الانهيار التام ، واي خطأ في الحسابات او مفاجات في النتائج سيؤدي الى ان ينقلب العالم كله (بعد ان سأم غطرستها وتنمرها ) ضد امريكا وستكون النتائج كارثية على الدول التي رهنت مصيرها بمصير امريكا (كدول الخليج واسرائيل ) وربما ستكشف الايام عن سقوط امريكا وتفككها او زوال هيمنتها ونشوء نظام عالمي جديد ينهي والى الابد مرحلة الحروب الدموية التي سببته صعود القارة الاوربية قبل مئات السنين ونشرها للدمار والعبودية والتفرقة بين سكان كوكب الارض.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى