مقالات

طاغية واحد

هادي جلو مرعي

هذا مقال لااعني به فردا، او جماعة، ولكني أبتغي منه النظر في الأمور من زواية مختلفة تتصل بفلسفة الحكم والحياة. الأغبياء يظنون أن زوال حكم الطغاة رحمة بالناس، وحسب. ويتجاهلون الحكمة البالغة من وراء ذلك.فالطغيان، وماينتج منه من تعد على الحقوق والظلم والتجبر والإغتصاب والقتل والسجن أعمال بشرية يمكن أن يقوم بها شخص عادي، أو رجل يتولى حكما محدودا. فهي صفة مشتركة بين بني البشر، وتتفاوت من فرد الى آخر بحسب البيئات والتربية والظروف المحيطة، ولكن الحكمة البالغة تكمن في تفصيل آخر مشابه لماأسلفنا، لكنه تفصيل أعمق بكثير، فالرب يريد أن يكشف للناس إن وجود الطاغية إبتلاء متعدد الأوجه أثناء حكمه، وبعد زواله، فوجوده المباشر يمنع ملايين الطغاة من الحركة الحرة التي تتيح لهم فرص تخريب الأرض ودمارها، وتعذيب الخلق، وظلمهم، والتجبر عليه، والظالم حائل بين الناس وحرية الظلم. ولذلك يقول الرب في الحديث القدسي: الظالم سيفي. عندما يكون الطاغية في الحكم يخافه الناس، ويرهبونه، وتبدو علائم الطيبة والسلوك القويم في تصرفاتهم. فلايستطيعون أن يظهروا الكامن من شرورهم، وفي زمن الطاغية يكون الناس في الغالب فقراء غير متجبرين تطبع سلوكهم السكينة والوقار، ويهمسون في آذان بعضهم البعض برفض الطغيان والظلم، ويتوجهون الى الله لينقذهم مما هم فيه من بلاء ومعاناة يعيشونها تحت حكم الطاغية والأتباع. تأمل قليلا في لحظة سقوط الطاغية، وهروب الأتباع، والجلاوزة، والعدد القليل من الفاسدين والسراق والجلادين. ففي عهد الطاغية يكون عدد الجلادين أقل بكثير لأن الغالب هو عدد المظلومين والمهمشين والمحرومين الذين ينتظرون الفرصة لينقضوا على كل شيء، وفي حين يختفي الطاغية، ولايحل محله البديل، وتكون السلطة موزعة بين أفراد متنفذين وجماعات، ولايخاف الناس المحاسبة، ويأمنون العقاب يظهر آلاف الطغاة، وآلاف القتلة، وآلاف السراق، وآلاف المتنفذين. بدل الطاغية الواحد يظهر الملايين وكأنك ترى الطغيان في كل شخص تواجهه وتخشاه، فيخيل إليك إن الطاغية الأول كان مجرد مانع لطغيان الملايين، وإن الطاغية الأول عاصفة تهب برياح وأمطار، ولكنها لاشيء امام أعاصير الطغاة التي تلي، فيبدأ الناس يقارنون بين الخراب القليل، والخراب الذي يعيشون فلايجدون سوى ان لاجدوى من ذلك، فهذه سنة الحياة طالما أن الإنسان بطبعه سافل، وعندما يحاول أن يصل الى القمة، ويحصل على مايريد فمن خلال المزيد من السفالة..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى