مقالات

ماذا بعد مرور 20 عاماً على اجتياح العراق؟!

محمد حسن الساعدي

بعد مرور أكثر من عاماً على اجتياح الولايات المتحدة الأميركية للعراق، وإسقاط نظام صدام، والذي يُعد من أكثر الأنظمة الديكتاتورية فتكاً وهتكاً للحرمات وسفكاً لدماء شعبه، هناك إجماع على إن الحرب كانت خطأً فادحاً، وعلى الرغم من الإجماع والدعم الدولي، إلا أن عملية إسقاط النظام شابها الكثير من الأخطاء والمعوقات التي حالت دون بقاء النظام السياسي والدولة.ما يعزز هذه القناعة هو حالة الفوضى التي سادت عملية إعادة بناء العملية السياسية في البلاد، وما شاب من عمليات الفساد الكبيرة التي رافقت عمليات الإعمار سواءً تلك التي كانت تحت رعاية الحاكم المدني “بول بريمر” أو التي كانت سبباً في بقاء عمليات الفساد المنظمة التي رافقت تشكيل الحكومات المتعاقبة، وما رافقها من قوانين واجتهادات لبريمر، والتي كانت من أهم أسباب بقاء عمليات السرقة المنظمة وهب المال العام من كبار الساسة الذين تربعوا على قيادة العراق، حتى وصل الحال إلى إن أغلب البنوك الإقليمية والدولية تعمل بالأموال العراقية المهربة إليها.في عام 2003 قدّر البنك الدولي الناتج المحلي للعراق بحوالي 21.9 مليار دولار، في حين وصل الناتج المحلي في عام 2021 ما يقرب من 208 مليار دولار، وبذلك ارتفعت المقاييس للحياة في العراق وتنوعت، وعلى الرغم من الضربات التي وجهت للنظام السياسي بعد عام 2003، وما شابه من عمليات الفساد التي ضربت مؤسسات الدولة كافة، إلا أن هناك تحول ديمقراطي جيد وانتخابات تنافسية وليست كما يروج لها قبل عام 2003 والنتيجة تكون فيها محسومة.

الأمر الأكثر دهشة وعلى الرغم من قناعة واشنطن إن العراق أصبح تابعاً لطهران، ويعمل تحت رايتها وقراراتها، وخصوصاً بعد انسحاب القوت الأميركية عام 2011 بأمر من الرئيس الأميركي “باراك أوباما”، ولكن في نفس الوقت لم نر أو نلمس هذا النفوذ في مراحل تشكيل أي حكومة، بل أن هناك دعماً ملموساً في أي حكومة تتشكل وموقفاً سياسياً رافضاً لأي انقسامات في الداخل العراقي تتسبب في التدهور الأمني وعدم الاستقرار في الشارع الداخلي . لقد أثبت السيد السوداني أنه ليس يد إيران في العراق، وله موقفاً سياسياً وقرار مستقل من أي موقف إقليمي أو دولي، وينبغي للعراق أن يكون بلداً مستقلاً بعيداً من التدخلات التي تضر بمكوناته أكثر ما تقوي عنصر الثقة بينها، وعلى الرغم من ترشيحه من قبل الإطار التنسيقي القريب من طهران، إلا أنه يبدي حالة التوازن بين ما يخدم مصلحة العراق وشعبه، وبين ما يكون سبباً في التهدئة في المنطقة عموماً من خلال رعاية العراق لطاولة الحوار بين الأطراف سواءً طهران ودول الخليج حاو طهران والولايات المتحدة .حالة التوازن التي اعتمدها السيد السوداني في سياسته تجاه القضايا الخارجية أثمرت كثيراً في حالة الاستقرار السياسي في البلاد، على الرغم من ما ساد من فوضى قبيل تشكيل حكومته، إلا أن تشكيل هذه الحكومة كان الأسرع منذ 2003 وخرجت هذه الحكومة بمخاض يسير جداً وبوقت قياسي، وان له موقفاً من بقاء القوات الأميركية في البلاد، والذي ينبغي أن يكون للبرلمان الموقف الأساسي والرئيسي بعيداً عن أي ضغوط سياسية تمارس هنا أو هناك. يبقى الخطر الأكبر والأبرز الذي يهدد الدولة العراقية هو الفساد المستشري الذي بدأ يضرب أركان الدولة المهمة ويصل إلى القيادات السياسية، والذي يعد أحد الموروثات السلبية للتدخل الأميركي في العراق، وساعد في تكوين طبقة من المليادريرية فيه،حيث تصل شهرياً ما بين مليار إلى ملياري دولار أموال من البنك الفيدرالي الأميركي لدعمه في رواتب موظفيه، وتوفير رأس المال للمشاريع والاتفاقيات التجارية الخارجية، فتوفرت بيئة للفاسدين من سرقة المال والتلاعب به حتى وصل الحال إلى اختلاس مليارين ونصف المليار في صفقة وصفت بأنها الأقوى والأكثر فساداً في القرن الحالي.يبقى شي مهم هي الخطوات التي تقوم بها حكومة السيد السوداني في إصلاح المنظومة السياسية والحكومية، وطرد الفاسدين، وإعادة الأموال المهربة إلى الخارج، وتقوية الاقتصاد، وغيرها من برنامج عمل تعهد به خلال فترة رئاسته للوزراء، ومدى قدرته على هذه التعهدات وسيبقى السؤال الأكثر جرأة في إمكانية حكومة السيد السوداني من الإطاحة بالرؤوس الكبيرة للفساد في وقت قياسي بعيداً عن الضغوط السياسية، وأن الشعب العراقي ينتظر هذه الخطوات ليكمل طريقة وخلاصه معه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى