مقالات

ما معنى اخرجوا؟

فاتح عبدالسلام

العراقيون‭ ‬يتأثرون‭ ‬بالكلمة،‭ ‬الاهزوجة‭ ‬والهوسة‭ ‬والانشودة‭ ‬والاغنية‭ ‬تحركهم‭ ‬عبر‭ ‬حقب‭ ‬الزمن‭ ‬كلها،‭ ‬وتزج‭ ‬بهم‭ ‬في‭ ‬اتون‭ ‬حرب،‭ ‬او‭ ‬تظاهرات‭ ‬أو‭ ‬احتجاجات‭ ‬أو‭ ‬تمرد‭. ‬ربّما‭ ‬لأنّ‭ ‬الكلمة‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭ ‬كتبت‭ ‬في‭ ‬وادي‭ ‬الرافدين‭ ‬وليس‭ ‬في‭ ‬اية‭ ‬بقعة‭ ‬أخرى‭ ‬بالعالم،‭ ‬وربّما‭ ‬انها‭ ‬جينات‭ ‬العراقيين‭ ‬المتوارثة‭ ‬منذ‭ ‬ما‭ ‬قاله‭ ‬كلكامش‭ ‬في‭ ‬وصف‭ ‬الحياة‭ ‬الأخرى‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مفردات‭ ‬الدنيا‭ ‬المتداولة‭ ‬في‭ ‬زمنه‭ ‬الموغل‭ ‬في‭ ‬القدم‭

.‬المفردات‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬خطاب‭ ‬لها‭ ‬وقع‭ ‬مؤثر‭ ‬في‭ ‬الجمهور،‭ ‬لاسيما‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬منطلقة‭ ‬من‭ ‬فم‭ ‬قائد‭ ‬له‭ ‬مساحات‭ ‬جماهيرية‭ ‬واسعة‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬الأكبر‭ ‬في‭ ‬المشهد‭ ‬السياسي‭ ‬الحالي‭.‬الخطاب‭ ‬الذي‭ ‬يقول‭ ‬اخرجوا‭ ‬أيّها‭ ‬العراقيون‭ ‬من‭ ‬اجل‭ ‬الإصلاح‭ ‬وتغيير‭ ‬النظام‭ ‬السياسي،‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬ان‭ ‬يفهمه‭ ‬الجمهور‭ ‬المستجيب‭ ‬للدعوة‭ ‬على‭ ‬انه‭ ‬تكتيك‭ ‬سياسي‭ ‬او‭ ‬انه‭ ‬دعوة‭ ‬يقصد‭ ‬بها‭ ‬غير‭ ‬وجهتها‭ ‬الظاهرة،‭ ‬أو‭ ‬انها‭ ‬ضغط‭ ‬من‭ ‬اجل‭ ‬استبعاد‭ ‬شخص‭ ‬وتقريب‭ ‬آخرين‭.‬‭ ‬اخرجوا‭ ‬،مفردة‭ ‬سياسية‭ ‬هنا‭ ‬حصراً،‭ ‬تعني‭ ‬خروجاً‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬عودة‭ ‬بوفاض‭ ‬خال‭.

‬وهذا‭ ‬له‭ ‬ثمن‭ ‬في‭ ‬المعايير‭ ‬السياسية‭ ‬للمتحدث‭ ‬والمخاطبين‭ ‬معاً‭.‬من‭ ‬الصعب،‭ ‬وربّما‭ ‬من‭ ‬المستحيل‭ ‬ان‭ ‬يتبادر‭ ‬الى‭ ‬ذهن‭ ‬احد‭ ‬من‭ ‬الذين‭ ‬هبّوا‭ ‬في‭ ‬تلبية‭ ‬نداء‭ ‬الاحتجاج‭ ‬والاعتصام‭ ‬ان‭ ‬تفسير‭ ‬اخرجوا‭ ‬لتغيير‭ ‬النظام‭ ‬السياسي‭ ‬تعني‭ ‬الالتزام‭ ‬بالمسار‭ ‬الديمقراطي‭ ‬في‭ ‬انتخابات‭ ‬محددة‭ ‬والعودة‭ ‬للبرلمان‭ ‬وطاولة‭ ‬الحوار،‭ ‬لأنّ‭ ‬المقدمات‭ ‬التي‭ ‬سبقت‭ ‬ذلك‭ ‬كله،‭ ‬كانت‭ ‬تعبئة‭ ‬جماهيرية‭ ‬عارمة‭ ‬من‭ ‬اجل‭ ‬تحقيق‭ ‬الطلاق‭ ‬النافذ‭ ‬مع‭ ‬الفاسدين‭ ‬والقتلة‭ ‬والمحتالين‭ ‬من‭ ‬الطبقة‭ ‬السياسية‭ ‬المتداولة‭ ‬والتي‭ ‬لم‭ ‬يصدر‭ ‬عن‭ ‬أي‭ ‬طرف‭ ‬منها‭ ‬قرار‭ ‬او‭ ‬تصريح‭ ‬بالتراجع‭ ‬والانسحاب‭ ‬او‭ ‬الاعتراف‭ ‬بخطأ‭ ‬ما‭ ‬،‭ ‬فالجميع‭ ‬يرمي‭ ‬الكرة‭ ‬في‭ ‬ملعب‭ ‬الجميع‭ ‬حتى‭ ‬كادت‭ ‬المدرجات‭ ‬تخلو‭ ‬من‭ ‬متابعين‭ ‬ومتفرجين‭ ‬بعد‭ ‬ان‭ ‬سئم‭ ‬العراقيون‭ ‬اللعبة‭ ‬كلها‭ .

‬كما‭ ‬انّ‭ ‬التظاهرات‭ ‬في‭ ‬لحظة‭ ‬اكتساحها‭ ‬المنطقة‭ ‬الخضراء‭ ‬كانت‭ ‬تحمل‭ ‬نفس‭ ‬الشلع‭ ‬قلع،‭ ‬ثم‭ ‬ما‭ ‬لبثت‭ ‬ان‭ ‬عاودت‭ ‬التهدئة‭ ‬والتقنين‭ ‬في‭ ‬أخذ‭ ‬هذا‭ ‬ورفض‭ ‬ذاك،‭ ‬وهي‭ ‬لعبة‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬السياسية‭ ‬من‭ ‬حق‭ ‬الجميع‭ ‬ممارستها‭ ‬،‭ ‬لكن‭ ‬الجمهور‭ ‬الذي‭ ‬انتشى‭ ‬في‭ ‬خلال‭ ‬ساعة‭ ‬اقتحام‭ ‬البرلمان‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬ان‭ ‬يكون‭ ‬قد‭ ‬فكّر‭ ‬بمسار‭ ‬تقرره‭ ‬مفوضية‭ ‬الانتخابات‭ ‬والعودة‭ ‬للترشيح‭ ‬وتعداد‭ ‬الأصوات‭ ‬والمقاعد‭ ‬من‭ ‬جديد،‭ ‬واذا‭ ‬كانوا‭ ‬يفكرون‭ ‬بالروح‭ ‬الانتخابية‭ ‬الجديدة‭ ‬لحظة‭ ‬اقتحام‭ ‬اسوار‭ ‬الخضراء،‭ ‬فما‭ ‬معنى‭ ‬هذا‭ ‬العناء‭ ‬كله‭ ‬وقد‭ ‬كانوا‭ ‬يتصدرون‭ ‬الوضع‭ ‬البرلماني‭ ‬قبل‭ ‬الانسحاب‭ ‬من‭ ‬العملية‭ ‬السياسية‭ ‬،‭ ‬ام‭ ‬انها‭ ‬لعبة‭ ‬الخروج‭ ‬من‭ ‬الباب‭ ‬والدخول‭ ‬من‭ ‬الشباك،‭ ‬بوصفها‭ ‬اكثر‭ ‬جدوى‭ ‬في‭ ‬بلد‭ ‬لم‭ ‬يستطع‭ ‬الإمساك‭ ‬بتلابيب‭ ‬الحياة‭ ‬الديمقراطية،‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬مضي‭ ‬ما‭ ‬يقرب‭ ‬من‭ ‬عقدين‭ ‬من‭ ‬الزمن‭.‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى