مقالات

مشروع قانون جرائم المعلوماتية إرهاب فكري جديد تمارسه الطغمة الحاكمة

كاظم حبيب

لم تكتف الأحزاب والقوى السياسية الحاكمة بما مارسته حتى الآن من إرهاب وقتل واختطاف واعتقال وتعذيب وتشريد لقوى الانتفاضة وحرق خيامها ومحاولة شراء ذمم بعض المشاركين فيها بالوظائف والآمال الكاذبة، أو في اغتيال ومطاردة الصحفيين والعاملين في أجهزة الإعلام الديمقراطية والمستقلة، ولم تكتف بمحاولة تشكيل تحالف سياسي جديد لكل القوى السياسية المناهضة لانتفاضة تشرين الشعبية ولكل تغيير يراد تحقيقه في الواقع السياسي المتدهور والنظام السياسي الطائفي المحاصصي والفاسد، كما لم تكتف باستمرار نهب موارد البلاد المالية والتفريط بها وتهريب أجزاء منها لإيران وحزب الله في لبنان، وتنشيط مستمر لقوى السلاح المنفلت الموجود في أيدي الميليشيات الطائفية المسلحة المهيمنة على ما يطلق عليه بـ”الحشد الشعبي!” والموجهة في عملها لصالح الميليشيات الولائية وأهدافها في العراق وثلم استقلال البلاد وسيادته لصالح إيران فحسب، بل راحت تهيئ لإرهاب فكري وسياسي إضافي يمس الفرد العراقي وحريته وحقه في التعبير عن رأيه والدفاع عن حقوقه إزاء مستغليه وسارقي لقمة عيشه وسالبي وطنه مباشرة من خلال طرح مشروع قانون “جرائم المعلوماتية” والإصرار على إصداره، والذي لا يعني سوى إقامة وضع فكري وسياسي إرهابي متكامل ومماثل لما هو جارٍ في إيران، الذي أدى ويؤدي إلى حملات من الإعدامات والسجن بمئات السنين لمناضلين إيرانيين في الفكر والسياسة، وكان آخر ضحية لهذا النوع من القوانين الإرهابية تنفيذ حكم الإعدام برئيس موقع “آمد نيوز” الصحفي الإيراني روح الله زم المعارض لسياسات النظام الإيراني صباح يوم السبت المصادف 12/12/2020 بعد أن حكمت عليه المحكمة القرقوشية بكونه “أحد المفسدين في الأرض!”، وبتهمة مسؤوليته عن المظاهرات التي عمّت البلاد ضد السياسات الجائرة لنظام الملالي في إيران. ورفض هذا النظام الجائر والشرس ولم تنفع معه نداءات العالم ومناشدتها بعدم تنفيذ حكم الإعدام بحق روح الله زم!إن المدافعين عن هذا القانون في مجلس النواب العراقي، وكلهم من الأحزاب الإسلامية السياسية الطائفية الفاسدة، يطالبون في الإسراع بالتصويت لصالح هذا القانون، وفي مقدمتهم تحالف “سائرون”، التابع لمقتدى الصدر، والحكمة، التابع لعمار الحكيم، والفتح، التابع لهادي العامري، إضافة إلى مجموعة دولة القانون التابعة لنوري المالكي. إنها من ذات القوى المسؤولة عن الانتهاكات التي وقعت وتقع على قوى الانتفاضة التشرينية والتظاهرات الاحتجاجية المطالبة بعراق ديمقراطي مستقل وآمن من التدخلات الخارجية ومن البؤس والفاقة والخراب.إن هذه القوى تحاول ستر جرائمها وفسادها وسرقة لقمة العيش من أفواه الكادحين بتكميم أفواه المعارضة ومنع الكشف عن قذاراتها ونشرها في المواقع الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي المتعددة، أو الدعوة لإضرابات أو تجمعات أو مظاهرات عبر تلك المواقع. ولم يكن الكاتب السياسي العراقي باسل حسين مخطئاً حين كتب أن “الطبقة السياسية في العراق تفكر بسلسلة من التشريعات التي تحميها من النقد أو المحاسبة”.، وأن قانون جرائم المعلوماتية يراد له أن يحمي تلك الفئة القليلة والضالة على حساب حرية الفرد والشعب على التعبير والنقد والمطالبة بالتغيير. فقد كتب معلقاً على القانون إن “جُل هؤلاء من الطبقة السياسية ربما عدديا لن يصلوا إلى 500 فرد من الفاعلين على أكثر تقدير ولو اعتمدنا رقم 38 مليون شخص هو عدد سكان العراق، فإن تلك القوانين المقترحة تتجاهل مصالح بقية المواطنين أي أكثر من 37 مليون شخص وتركز على حماية مصالح أقلية سياسية لطالما وجهت إليها شتى أنواع الاتهامات من فساد وتبديد ثروات وصراعات عبثية، طبقة لا تملك عقلا ناهضا ولا إنجازا يشار إليه بالبنان “. (أنظر: قانون “جرائم المعلوماتية” العراقي مخصص لحماية السياسيين من النقد، القانون يجبر الصحافيين على الإفصاح عن معلومات شخصية، موقع العرب، الجمعة 2020/11/20).إن مشروع قانون جرائم المعلوماتية يعبر في الجوهر عن فكر ونهج (أيديولوجيا) القوى التي وضعته وتسعى لتشريعه والذي يجسد فهما وموقفاً معادياً بالكامل لمفاهيم ومبادئ الحرية والحياة الديمقراطية وحقوق الإنسان، ويجسد أطماع الثورة المضادة التي تحاول من جديد إعادة بناء “البيت الشيعي” الخرب والفاسد، ومن ثم تشكيل تحالف جديد يضم أطرافاً انتهازية من الأحزاب والقوى السنية وبعض القوى الكردية، في مواجهة انتفاضة تشرين الساعية للتغيير وبناء عراق حر وديمقراطي ومستقل وذي سيادة. إن هذا القانون يسمح للأحزاب السياسية والجماعات المسلحة المتنمرة والتابعة لإيران لمواصلة أفعالها الإرهابية ونهب العراق بكل حرية وبعيداً عن القوانين المرعية، ويحاسب ويقمع كل من يلاحق هؤلاء ويكشف عنهم ويفضحهم نهبهم لخيرات العراق وموارده المالية. إنها الجريمة بعينها ولا يمكن أن يعتمدها إلا من هو جزء من هذه العملية السياسية الجارية التي ابتلى بها العراق منذ إقامة النظام السياسي الطائفي والفاسد من قبل قوى الاحتلال والدولة الإيرانية الجائرة والتحالف الداخلي المناهض للحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان.إن من واجب كل وطني عراقي، سواء أكان امرأة أم رجلاً، النضال دون هوادة أو كلل لا لرفض تشريع هذه القانون الجائر ومنع تمريره فحسب، بل ومواصلة النضال لإجراء تغيير حقيقي في الوضع القائم في البلاد، إذ أن استمراره لا يعني سوى المزيد من الخراب والدمار، والمزيد من الفساد وانتشار للجريمة المنظمة ودور الميليشيات الطائفية المسلحة بما ترتكيه يومياً من جرائم بشعة، والمزيد من الفاقة والحرمان لفئات جديدة من بنات وأبناء الشعب. إن مشروع القانون الجديد بقدر ما يمنح القوى الحاكمة ومؤسسات الدولة العميقة الحرية الكاملة في ممارسة كل الموبقات وارتكاب المزيد من الجرائم بحق الشعب، يصادر في الوقت ذات، وبالقدر ذاته وأكثر، حرية الفرد والمجتمع والقوى الوطنية عن الكشف عن تلك الموبقات والجرائم أمام أنظار الشعب والرأي العام العالمي والقضاء الدولي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى