مقالات

من الذي يمثل المكوّنات في العراق ؟

من الذي يمثل المكوّنات في العراق ؟ – منقذ داغر

لطالما شغلتني قضية الشرعية الجماهيرية للاحزاب السياسية في العراق. وعلى الرغم من أدراكي ان الغزو الامريكي للعراق عام 2003 هو من أسقط فعلاً نظام الحكم السابق،الا اني توقفتُ كثيراً آنذاك عند السهولة التي أختفى فيها حزب البعث الحاكم عن المشهد السياسي على الرغم من أن عدد المنتمين له كانوا بالملايين مثلوا نسبة كبيرة جدا من سكان العراق في ذلك الحين. تلك الملاحظة جلبت انتباهي الى حقيقة أن شرعية أي حزب لا يحددها عدد المنتمين له بقدر ما يحددها عدد المؤمنين به فعلاً. لذلك ففي أول استطلاع علمي موثق للرأي العام في تاريخ العراق والذي أجريته مع فريقي البحثي بعيد الاحتلال مباشرةً،سألت العراقيين عن رأيهم بالأحزاب التي ظهرت على الساحة آنذاك. وعلى الرغم من ان الأستطلاع شمل بغداد فقط، فقد عبر 85 بالمئة من العينة عن عدم تأييدهم لتلك الاحزاب،ولم يؤيدها سوى اقل من 10 بالمئة فقط مما جعلني استنتج آنذاك ان أحتمالات الفشل لتلك الاحزاب تتفوق كثيراً على أحتمالات نجاحها،وهو ما أثبتته الأيام فيما بعد. لقد صدحت أصوات كثيرة مؤخراً بالادعاء أنها تمثل(المكون) وأن أستبعادها من المنافسة على الوزارات أو البرلمان يعني حرمان المكون من تمثيله السياسي المناسب.هذا لم يقتصر(لكي أكون واضحاً) على قوى الاطار فقط وأن كان يشملها . لقد أدعت القوى السياسية السنية والكوردية وسواها انها أيضاً تمثل مكوناتها الجماهيرية وأنها الممثل الشرعي لتلك الجماهير،حتى بات من الاستثناء ان نجد حزباً أو تحالفاً يتحدث بأسم العراقيين لا بأسم (المكون)!لقد أستفزني هذا الخطاب المكوناتي لكي أختبر مدى صحة أدعاءات تمثيل (المكون) من قبل هذه القوى أو تلك. وأعتماداً على أرقام الانتخابات الاخيرة فقد قمت يتحليل مصداقية تمثيل المكونات،فكانت النتائج كالآتي:1- أن البرلمان الحالي الناجم عن الانتخابات الأخيرة لا يمثل بمجموع أصوات كل اعضاءه سوى 46 بالمئة فقط من مجموع المصوتين(بحدود 9 مليون صوت).بمعنى ان البرلملن بكل كتله وأعضاءه لا يمثل أغلبية من شارك في الانتخاب!2- أما اذا تقدمنا خطوة أكثر في التحليل فسنجد أن مجموع الاصوات التي حاز عليها اعضاء البرلمان الحالي والبالغة 4,066,000 صوت لا تمثل سوى 19 بالمئة فقط ممن كان يحق لهم التصويت،أي الذين كانوا يمتلكون بطاقة الكترونية. وتنخفض نسبة التمثيل الى 16 بالمئة فقط عند مقارنة عدد اصوات الفائزين في البرلمان بعدد المؤهلين للتصويت،أي العراقيين الذين تتجاوز أعمارهم 18 سنة!بمعنى ان البرلمان الحالي بكل اعضاءه وكتله لا يمثل سوى 16 بالمئة فقط من العراقيين الذين تحق لهم المشاركة السياسية، فكيف يمكن لأي قوة ضمن هذا البرلمان ادعاء تمثيل اي شيء غير من صوتوا لها؟!3- أما على صعيد التحليل الجزئي(المكوناتي) للارقام فأنها توضح بما لا يدع مجالاً للشك كذب أي أدعاء بتمثيل(المكون) من قبل اي حزب او تحالف. وعلى الرغم من عدم توفر ارقام موثقة عن التركيبة الطائفية للناخبين في العراق،الا ان التوزيع الجغرافي والمناطقي للدوائر ال 83 التي قُسم العراق بمموجبها،فضلاً عن خلفية الفائزين وأحزابهم،تستطيع ان تخبرنا وبدرجة عالية من الثقة بالخارطة(المكوناتية) للانتخابات.لقد حصد أعضاء البرلمان الذين يمكن تصنيفهم بأنهم تابعين لاحزاب وقوى (شيعية) على اكثر من 5 مليون صوت مشكلين ما مجموعه 196 مقعداً تقريباً تمثل اكثر من 60 بالمئ من مقاعد البرلمان.مع ذلك فأن مقارنة مجموع الاصوات التي حصل عليها كل حزب أو كتلة (شيعية) مع نسبة الناخبين (الشيعة) ككل ترسم لنا صورة مختلفة. فأكبر الفائزين(الشيعة) وهم الصدريون لا تمثل أصوات من وصلوا منهم للبرلمان اكثر من 5-6 بالمئة تقريباً من ناخبي(الشيعة) أجمالاً.امأ قوى الاطار مجتمعة ففي أحسن التقديرات تتراوح نسبة تمثيل الفائزين منهم (للمكون) بحدود 4 -5 بالمئة فقط.في حين ان من فازوا من المستقلين والتشرينيين مثلوا بحدود 4 بالمئة من (المكون) رغم انهم لم يدعوا تمثيلهم له.هذا يعني ان كل الفائزين في البرلمان ممن ينتمون (للمكون) لا يشكلون أكثر من 13-15 بالمئة من اجمالي (الشيعة) المؤهلين للتصويت! نعم،فالموجودين في البرلمان حاليا من (المكون) لا يمثلون سوى 15 بالمئة من أجمالي (الشيعة) في أحسن التقديرات.وحتى حينما نحسب أصوات الخاسرين من تلك القوى فلن تصل نسبة التمثيل اكثر من27-32 بالمئة وان هناك أكثر من ثلثي (الشيعة) ليس لهم أي ممثل في البرلمان،فكيف يمكن أدعاء تمثيل (المكون)؟4- أما على الصعيدين(السني) و(الكردي) فليست الصورة افضل. فحسب التقديرات الرقمية لاصوات الفائزين مقارنة بتقديرات عدد الناخبين فأن مجموع ما حصل عليه تقدم و عزم مجتمعين لا يمثل اكثر من 20-21 بالمئة فقط من اصوات (السنة) المؤهلين للانتخاب.أما الفائزون (فقط) من تقدم وعزم فأن مجموع ما حصدوه من أصوات يمثل اقل من 12 بالمئة من مجمل ناخبي (المكون).على الجانب الآخر فأن الفائزين من أكبر الأحزاب الكردية (الديمقراطي) يمثلون 13 بالمئة تقريباً من اجمالي الناخبين الكرد. وحتى أذا اضفنا أصوات الخاسرين من الديمقراطي الكردستاني فأن نسبة التمثيل للناخبين الكرد لن تتجاوز 15 بالمئة، كذلك الحال مع الاتحاد الوطني الذي مثلت اصوات الفائزين منه اقل من 5 بالمئة فقط من مجمل الناخبين.الخلاصة:أن البرلمان الحالي يعاني بمجمله من أزمة حادة في شرعيته الجماهيرية مما يجعله عرضة لاهتزازات قد تكون شديدة في حالة أخفاقه هو و/ أو الحكومة القادمة في تقديم ما يحسن صورته لدى تلك الجماهير. من جانب آخر فأن أكبر الاحزاب في البرلمان الحالي لا تمثل سوى 5-13 بالمئة فقط من أي (مكون).لذا فأن جميع قوى البرلمان و(مكوناته) يسيرون على أرض رخوة جداً لا يقوّيها الادعاء بتمثيل المكون. وان كل تلك القوى عليها ان تحذر من ان تغطس في رمال الفشل ولن تنفعها أدعائاتها او ماكناتها الاعلامية اي شيء آنذاك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى