مقالات

نكسة مرّت في التجاهل والتجهيل

د. فاتح عبدالسلام

ظل العرب يستذكرون ما أصابهم من ذل وهوان وانهزام في حرب الخامس من حزيران العام ١٩٦٧، واستقر اسم النكسة عنوانا أبدياً لتلك الحرب في أدبيات أحزاب وخطب وتصريحات زعماء ومناهج مدارس في عالم العرب خمسة عقود وأزيد ، ولم يفتر الاهتمام بتلك الذكرى الأليمة الا في السنوات القليلة الأخيرة بعد ان غمرت أنواع أخرى من النكسات بلاد العرب وبدت تلك النكسة أصغر من سواها بالرغم من خسارة القدس كانت أولى نتائجها.وفي الكويت مثلا يستذكرون الغزو العراقي الذي استغرق سبعة شهور فقط، في الثاني من شهر آب كلّ سنة بالرغم من مضي ثلاثة عقود.خرائط سياسية تغيرت جراء تداعيات ذلك الحدث.هناك نكسات هي محطات تاريخية تقف عندها الشعوب لتتأمل العبرة وتحتاط من خيبات أخرى. انتظرتُ أن تمر ذكرى احتلال الموصل ثاني اكبر مدينة عراقية بتعداد أربعة ملايين نسمة ومدن أخرى هي تكريت وكامل الانبار، لأقرأ كيف يقف العقل السياسي العراقي عند ذكرى تلك النكسة الكبرى التي أخرجت ثلث العراق في ساعات من سلطة الدولة ومن تاريخ العراق الحديث كله، ليدوم حكم شاذ ثلاث سنوات على نينوى واكثر من ذلك على مدن في الانبار.لا توجد أية قراءة من أي نوع، والحدث الذي ارتج له العراق نزف ازكى الدماء لا يجد مساحة صغيرة ليقف من يتأمل المأساة ويحلل أسبابها ويضع العوامل الوقائية لتجنب تكرارها ، لاسيما ان هناك أجزاء من حيثيات تلك النكسة لا تزال موجودة وتتحرك في العلن والخفاء. قسم من ذلك يتجلى في تصاعد عمليات داعش بحسب تقديرات رسمية عن وجود خمسة آلاف عنصر طلقاء ينفذون هجمات كل يوم، وقسم في غياب المحاسبة عن القيادات التي كانت مؤتمنة على حياة العراقيين وفرطت بها برغم كل القوة العسكرية والموازنات المليارية التي كانت تبذل بسخاء. وكل شيء انهار امام اقل من ثلاثمائة من عناصر التنظيم تحركوا من سوريا الى الموصل في موعد يكاد يكون علنياً لا مفاجأة فيه حتى ان الموصل حظرت التجوال يومين قبل الاحتلال في انتظار الهجوم الذي لم يدفع أصحاب الأمانة ان يحركوا ساكناً. التاريخ لم يكتب بعد بحسب حقائقه التي حاولت التصريحات والقرارات السياسية طمسها. اليوم هناك عراق آخر غير الذي كان قبل احتلال الموصل، وهي مسألة تستحق عناية العقل المحلل ليضع النقاط على الحروف في تحديد وجهة البلد اللحظة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى