مقالات

هؤلاء السبعة … منْ نحر الدينار؟!

أ. د. جواد كاظم لفته الكعبي

هؤلاء السبعة … منْ نحر الدينار؟!الأول. الملكي:ملكي أكثر من الملك، و”الملكي” هو النائب جمال كوجر عضو اللجنة المالية النيابية، و”الملك” هما ملكان: وزير المالية ومحافظ البنك المركزي. يُلاحظ من حماس بعض النواب في تبرير أو الدفاع عن قرار الحكومة بخفض قيمة الدينار وكأنهم يعملون لدى ملوك المال والعملة تحت قبة البرلمان بصفة “وكلاء مبيعات” لترويج سلعة نحر الدينار، والسيد كوجر أحدهم:1) خدماته: “إن سعر الصرف حدّد وفق اعتبارات علمية مدروسة ويتفق مع السياسة النقدية للبنك المركزي وهو هيئة مستقلة، ووزارة المالية تبنت قرار البنك برفع صرف الدولار ولم تكن صاحبة الاختصاص في إصداره، ووجود تنسيق وتشاور بين الجهتين لا يعني التدخل، ومن غير الممكن أن نجري تعديلا يعيدنا إلى نقطة الصفر” (“صوت العراق”، 8 آذار 2021).2) سلوكه: من النص المُقتبس، اكتشفت أن السيد كوجر لا يعمل ممثلا لناخبيه الفقراء ومدافعا عن مصالحهم تحت قبة البرلمان، وإنما يعمل موظفا في بلاط الملكين. وهذه براهيني:كيف علم بالاعتبارات العلمية المدروسة إذا لم يكن يعمل “طاهيا” في مطابخ البلاطين!تؤشر قناعته بتوافق “السعر والاعتبارات” إلى ضلوعه في التخطيط لهما مع الملكين!كيف علم بوجود تنسيق وتشاور بين الملكين إذا لم يكن حاضرا ومُشاركا لهما!دفاعه عن حق رب عمله ملك البنك “المُستقل” في سرقة قوت الناس وتدمير الاقتصاد!رفع التُهمة عن رب عمله ملك المالية بالتحضير للاستحواذ على القطاع العام والنفط!رفع تُهمة التواطؤ والتآمر على الفقراء ورجال أعمال الاقتصاد من سلوك الملكين!إعلانه عجز البرلمان دستوريا عن مواجهة التواطؤ والتآمر في سلوك الملكين!لا يُريد العودة إلى “الصفر السياسي”، ولكنه يُريد وصول أهلنا إلى “الصفر المعيشي”!… يا ربي لا تجعلها “غيّبة سياسية” إذا أخذني تحليل سلوكه الوظيفي إلى الظن، بأن عضو “الحزب الإسلامي الكردستاني” قد جعل من “ربه المالي” حليفا للملكين ضد الفقراء، وباسم قوميته الكردية الكريمة يُريد منهما دنانير ورقية أكثر مقابل دولارات نفط إقليمه … وطمعه بغنيمة والفرار بها! الثاني. الرَمّاح:من الخيال العلمي: أطلق بعض آلهة “ميسوبوتاميا الجديدة!” رماحهم (خفض، دعم، تبرير، تمويه، تستر) صوب السماء، فأصابت “كَّرن” الثور الحامل للكون، وبعضها لا حاجة لتوثيق مصدرها فقد أُطلقت من زمان (الكَّرن = الدينار، الثور = الاقتصاد، الكون = الناس):رمح محافظ البنك المركزي مصطفى مخيف: مخفي، وكأنه يقول “وآني شعليه، أطلقت رمحي فأصاب كَّرن الثور وقُضي الأمر” … يقصد مات الثور وسقط الكون!رمح الوزير علي علاوي: “لا يمكن العودة إلى السعر القديم، لأن الجديد قرار حكومي” … يقصد لا يُمكن نزع رمح صديقه مخيف المغروز بكَّرن الثور!رمح النائب جمال كوجر: “لا يمكن العودة إلى السعر القديم، لأن الجديد جاء بالتشاور بين وزارة المالية والبنك المركزي” … يقصد تآخي رمحي مخيف وعلاوي عند كَّرن الثور!رمح النائب ماجدة التميمي: “لا تستطيع اللجنة المالية تغيير سعر الصرف، لأن قانون البنك المركزي حدد صراحة الجهة المخولة بالتغيير” … تقصد البرلمان ما عنده رماح تنزع رمحي مخيف وعلاوي المغروزين بكَّرن الثور (“صوت العراق، 15 آذار 2021)!رمح المستشار مظهر صالح: “جاء تعديل سعر الدينار مطابقا للأسس النظرية التي تقرن التعديل بحالتي العجز أو الفائض في ميزان المدفوعات” … يقصد التستر على رمحي مخيف وعلاوي، وليذهب الثور والكون إلى الجحيم، المهم سلامة كَّرن ميزان المدفوعات (“شبكة الاقتصاديين العراقيين”، 14 آذار 2021)!… في الأسطورة، الكون واكَّف على كَّرن ثور، وتفسيرها لا يحتمل أكثر من رمحين: إما الكون تايه وما عنده والي، وإما الثور ملتهي بمداعبة الرماح المغروزة في كَّرنه … وعايف هايشته! الثالث. المُبتز:اتهم مُقرر اللجنة المالية النيابية أحمد الصفار البرلمان صراحة “بتعطيل الاستثمار وما يُسببه ذلك من زيادة يومية في البطالة والفقر، وطلب منه في أسرع وقت ممكن تحديد جلسة التصويت على الموازنة مقابل إجراء تغييرات على حصص المحافظات ووضع بعض الدرجات الوظيفية”، وأعطى عضو اللجنة جمال كوجر وعدا مشروطا “بالعودة إلى سعر الصرف القديم خلال ستة أشهر” (“الأخبار”؛ “صوت العراق”، 18-19 آذار 2021). أرى أن الأمر لا يخلو من شبهة رشوة أو مُداهنة أو ابتزاز سياسي لا صلة لها بجوهر الاعتراض على محتوى وهيكل الموازنة الجائرة:1) دوافع: يبدو لدى البعض مصلحة نفعية (مادية أو سياسية) من القرارات الحمقاء التي تضمنتها الموازنة (النفقات الهائلة، العجز الكبير، خفض قيمة الدينار، الاقتراض الداخلي والخارجي، خفض الرواتب، فرض الضرائب، بيع مؤسسات القطاعين العام والنفطي بالدينار الرخيص)!2) غايات: تحييد وامتصاص معارضة النواب الرافضين للموازنة، كسب رضا المحافظات المغبونة، تهدئة احتجاج شارع العاطلين عن العمل، التمرير السريع للموازنة بأقل الخسائر!… عادت بي الذاكرة إلى عام 2005، حين شاركت في مؤتمر اقتصادي دولي عُقد في القاهرة حضره كبار الاقتصاديين العرب، طرحت فيه نموذجا مؤسساتيا لما ينبغي أن تكون عليه إدارة الاستثمار في بلادي بعد 2003، وحتى أُقنع الحضور بوجاهة نموذجي قلت لهم مازحا: أنظروا لمقابر الاستثمار العربية … واسعة وعميقة وممتلئة وتطالب بالمزيد، ولكن هل عاد أحد منها معافى؟ تمنيت أن يكون صاحب الاتهام حاضرا وقتها، ليُقنع الحضور بوجاهة خشيته من تعطيل نموذج الاستثمار الأخرق السائد في بلادنا منذ 1958 ولغاية يوم موازنته في 2021! الرابع. المُحاكي:بعد مخاض طويل وفي بيان للبنك المركزي، أطل علينا محافظه بخبر مشاركته في ندوة “تأثير جائحة كوفيد 19 على المؤسسات المالية” مع زملاء له من الأردن والبحرين، وليزف بشرى لاقتصاد وفقراء العراق بإجرائه مُحاكاة للجائحة “الصحية” وهزيمتها بإنجابه الجائحة “النقدية”. وبما أن البيان طويل، سأقوم بتقطيعه محافظا على نصه (“صوت العراق”، 22 آذار 2021):أ). مُحاكاة جائحة صحية حبلى بمعطيات الواقع العراقي:1. “ارتفاع الديون المتعثرة بنسبة 18% خلال العام 2020”: ما علاقتها بالسياسة النقدية للبنك؟2. “مما يتطلب اتخاذ معالجات تحاكي معطيات الواقع العراقي”: سيقوم البنك بإطفاء تلك الديون؟3. “لاسيما الأمنية والقانونية”: هل هي مسؤولية البنك معالجتها عند أصحابها المتعثرين ماليا؟ب). ولادة الجائحة النقدية (خفض سعر صرف الدينار):1. “تعزيز الاستدامة المالية نتيجة ارتفاع حجم الاحتياطيات الأجنبية”: طباعة دنانير التضخم!2. “تعزيز المالية العامة”: دفع رواتب الموظفين والمتقاعدين وسواهم بالدينار المُخفض القيمة!3. “زيادة ثقة المستثمرين”: هذه الثقة مرتبطة أساسا بالمناخ الاستثماري، وخفض العملة يُقوّضها!4. “انخفاض تكاليف الإنتاج”: لا يوجد إنتاج محلي حتى تنخفض تكاليفه بخفض العملة!5. “زيادة القدرة التنافسية للسلع المحلية”: لا يمكن زيادة القدرة التنافسية لسلع غير موجودة!6. “توازن ميزان المدفوعات من خلال انخفاض حجم الاستيرادات”: هذا توازن التجويع والموت!… بعد إنجاب مُحاكاته لوليدتها جائحة الدينار، وجد المحافظ نفسه أمام معضلة مفادها كما يقول: “التحدي الأكبر يتمثل بإعادة استثمار الإيرادات المتحققة من عملية خفض سعر الصرف” … بمعنى سواها وما يعرف شلون يسترها! الخامس. المُغني:بعد تهديد بعض الكتل السياسية بمقاطعة التصويت على الموازنة في حال عدم إعادة سعر صرف الدينار السابق، حسمت الحكومة جدل “قدرة البرلمان” على تعديل السعر بحديث للمتحدث باسمها وزير الثقافة: “بإمكان البرلمان إبداء الرأي وتغيير سعر الصرف لكنه لن يكون ملزما للحكومة، كون تغيير السعر متعلق بالحكومة والبنك المركزي” (“صوت العراق”، 23 آذار 2021).حسب علمي، لم تقم دولة بالعالم بخفض قيمة عملتها أثر جائحة كورونا، ولم تقم أية دولة مصدرة للنفط بذلك أثر انخفاض أسعار وصادراتها النفطية، باستثناء حكومتنا التي صدقت بدعاوى وزير ماليتها ومحافظ بنكها المركزي ومستشارها المالي حول “مبادئ الاقتصاد” القائلة، بأن خفض قيمة العملة سيرفع من القدرة التنافسية للمُنتج المحلي في الأسواق الخارجية والداخلية وسيجذب الاستثمارات الأجنبية. وبعد وقت قصير، بان عطب هذه الدعاوى الخرقاء ولكن بدلا من تعامل حكومتنا معها بحكمة، كابرت بسلطتها الحصرية برسم السياسة النقدية، وأصرت على قرارها المُعيب اقتصاديا، وألقت قفاز التحدي بوجه البرلمان والسخرية الجارحة للكرامة منه صادحة “دينارنا ونلعب بيه … شلله غرض بينا البرلمان”:“الفرصة متاحة أمام البرلمان لإبداء رأيه بالسعر وتغييره”، وكأن البرلمان نادي حوار ثقافي!“بإمكان البرلمان تغيير سعر الصرف”، وهي تعلم أنه لا يمتلك الصلاحية الدستورية لذلك!“السعر متعلق بالحكومة والبنك المركزي”، وكأن البرلمان “خطار” في مضيفهما!… يشي حديث وزير ثقافة الحكومة بأن موقفها مأزوم وخارج أعراف “الثقافة” السائدة منذ 2003 والقائمة على “التوافق” بين السلطات، وهي بهذا الموقف تحاول إخفاء اختطافها الدينار كمحظية … وهو العنوان السيادي والرأسمال والغذاء والدواء والستر لفقراء واقتصاد دولتنا! السادس. البائع:عندما يتبرع أكاديميون بتسويق قرار الحكومة بخفض قيمة الدينار من دون أن تطلب منهم ذلك، والحكومة نفسها مُقتنعة أن قرارها صحيحا، فهم في هذه الحالة باعة علم رخيص معنويا أو أخلاقيا. يقول “علم الاقتصاد النظري” أن قرار خفض قيمة العملة مشروط بظروفه، وهذه الشروط غير متوفرة بالمطلق في حالة الاقتصاد العراقي، وليسألوا الصين لماذا تقاوم بضراوة رغبة أمريكا برفع سعر صرف اليوان الصيني، إلا أن بعض أصحاب “علم الاقتصاد الأكاديمي الزائف” زينوا لحكومتنا أن قناعتها صحيحة نظريا، وتدعيما لموقفها بعدم التراجع عن قرارها، قاموا ببيعها السلع الرخيصة الآتية لعلمهم الأكاديمي المُنفصل عن الواقع الاقتصادي لبلادنا:الجشع: “جشع التجار هو المُتسبب بارتفاع الأسعار وليس قرار الحكومة”!الثقة: “سيُقوض تراجع الحكومة عن قرارها ثقة الأسواق بالدينار”!الضمان: “لا يوجد ضمان بأن الأسواق ستشهد الاستقرار بعد تراجع الحكومة عن قرارها”!السيادة: “لا يمتلك البرلمان أية سيادة أو صلاحية دستورية بإلغاء قرار الحكومة”!المحكمة: “ستقف المحكمة الاتحادية العليا مع الحكومة ضد البرلمان إذا ألغى قرارها”!التسويق: “رفض الكتل السياسية لقرار الحكومة مُجرد تسويق انتخابي لنفسها”!المواطن: “غذاء ودواء المواطن لا يدخل ضمن اهتمامات علم الاقتصاد الأكاديمي”!… لا خير في علم لا ينفع الناس، ولا مكان لعلم زائف في إدارة شؤون غذائهم ودوائهم وتعليمهم!السابع. الناطق:لم تكن مؤسسات النظام السابق طيلة (35) سنة من وجودها بحاجة إلى من يتحدث باسمها أو يكون ناطقا لها، إذ أن رأس النظام تكفل بكل شيء حتى تعليم الناس كيفية الاغتسال في الشتاء والصيف، ولكن عشية الغزو عام 2003، كسر وزير إعلام النظام محمد سعيد الصحاف هذه القاعدة، وكان على مستوى عاليا من “الإقناع!” لدرجة أنه كان يُحدث الناس عن انتحار “علوج” العدو على أسوار بغداد، وهم وقتها كانوا يتجولون في أروقة ومدرجات مطارها الدولي.بعد 2003، تغير الحال وأصبح لكل مؤسسة في النظام الجديد ناطقا باسمها ما عدا مؤسسة البنك المركزي، التي لم تجد حاجة للحديث مع الناس عن سياستها النقدية بعد أن كان سعر صرف الدينار ثابتا تجاه العملات الأجنبية، ولم يجد البنك أيضا حاجة للحديث عن قرار الحكومة بخفض سعر صرفه، والذي هو مسؤولية البنك المباشرة، باعتبار أنه ليس صاحب هذه المبادرة. ولكن اشتداد المطالبات السياسية والشعبية بالعدول عن القرار، اضطرت البنك للخروج عن صمته بعد أربعة أشهر من العمل بالقرار، ولكن ليس على لسان ناطق باسمه وإنما بلسان محافظه (ولم تكن محاكاته للجائحة النقدية مُقنعة)، واليوم بلسان نائب محافظه إحسان شمران (ولم يكن هو الآخر مُقنعا) “أن السعر الجديد حقق مكتسبات كبيرة” (“صوت العراق”، 27 آذار 2021):1) “تعزيز التنافسية لصالح المنتجات الوطنية زراعية كانت أم صناعية” (حال وجود تنافسية المنتجات الوطنية كحال وجود علوج الاحتلال في مخيلة طيب الذكر الصحاف)!2) “تعزيز موارد المالية العامة” (حال تعزيز المالية العامة كحال حشد الهمم لمواجهة علوج الاحتلال في نوايا طيب الذكر الصحاف: إفقار الناس وتدمير قطاع الأعمال الصغير والمتوسط لمواجهة أزمة دفع رواتب موظفي ومتقاعدي الدولة وبيع مؤسساتها ونفطها بالدينار الرخيص)!… ولكن الحق يُقال، كان الصحاف طيب النوايا بتصديق مزاعم رئيسه تجاه العلوج، ولم يكن شمران أقل طيبة منه بتصديق مزاعم رئيسه أيضا تجاه الناس حينما يخاطبهم: “يتطلب الأمر تعزيز هذا القرار وعدم خلق هزات من شأنها أن تقلق المواطنين”!….

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى