تقارير وتحقيقات

عيارات نارية تطلق في الهواء … اداة صنعت للقتال لا للأحتفال

عندما تعيش في بلاد يعاني مجتمعها من التشتت و التخبط، ستجد ان النظام فيها سيكون شبه منعدم، و لا يتم تطبيقه بالشكل الصحيح، و أن بعض الافراد في تلك البلاد لا يخضعون لسلطة القانون، بل يضعون قوانين تتماشى مع معتقداتهم البدائية، و يقومون بتطبيقها بالطرق التي تمنحهم الشعور بالقوة أو السيطرة.
لقد وضع القانون لخدمة المجتمع، و للإرتقاء به وفق المعايير السليمة، خاصة تلك التي تتطلب بذل جهد كبير للمحافظة على التوازن المجتمعي و البيئي و الإنساني بأنسيابية تامة، بعيداً عن لغة الجهل.

الرصاص .. لغة التعبير عن المشاعر

هنالك أساليب كثيرة و مختلفة للتعبير عن المشاعر ، و لكل منا طريقة خاصة في التعبير عما يختلج مشاعره ، سواء كانت مشاعر متمثلة بالحزن، أو السعادة ، أو الغضب ، و غيرها ايضاً من المشاعر التي يحـس بها كل انسان مع كل حدث زمني في حياته، لكننا اليوم نعاني من مفاهيم مجتمعية خاطئة من قبل بعض الأشخاص فيما يخص طريقة احتفالهم للتعبير عن هذه المشاعر، حيث تعتبر غالباً انها تخالف القانون و الأخلاق و المنطق، و تتعدى على حقوق الإنسان، فـهنالك مفهوم قديم متوراث اكتسبته الاجيال، و ذلك بإطلاق العيارات النارية في الهواء بشكل عشوائي ، هذه الطريقة اعتمدها الكثير من الناس دون فهم الغاية منها، أو الأمر الذي يستدعي منهم فعل ذلك، إذ نجد أن تصرفات مثل هذه، لها دور تخريبي و تسبب ضرر متنوع للجميع، و هذا فعل لا يدعمه القانون، لأنه يهدد سلامة الآخرين.
إننا نتفق على أن لا شي يستطيع أن يسلب حق الانسان أو يقيد حريته في التعبير ، لكن لكل شيء شروط يجب التقيد بها، و اتباعها حتى لا يخل بالنظام و الأمن القومي.

حرية شخصية ولكن!

إن تمتع الانسان بحرياته الخاصة و العامة دون قيود امر بالغ الأهمية، خاصة إذا كان لا يتعدى بها على حرية الآخرين، أو يؤذيهم بأي شكل من الأشكال، لإن أي تطبيق خاطئ للحريات الشخصية، يعني وجود خلل في الوعي المجتمعي، و أن ذلك الخلل سيكون نتيجة اخطاء قد تراكمت بسبب بعض التصرفات الغير عقلانية و الافكار الشاذة و التي بدورها أدت إلى ذلك، و أيضاً هو نتيجة إهمال، و تهاون من الجميع، فإن التقصير في نقل المجتمع لمرحلة جديدة من التغيير، او معالجة الخلل فيه لا يعـد امراً سهلاً، و تترتب عليه سلبيات و مشاكل كثيرة، لأن أهم اساسيات تطبيق الحريات بشكل صحيح و دون شوائب هو أن لا يتم التعدي على حقوق الآخرين و إحترامهم كما يليق بهم.

الفكرة القديمة لإطلاق النار العشوائي

في كل وقت و عـقد و زمان تولد الكثير من الافكار و المعتقدات التي تكـوّن المجتمع، و تقوده قيادة حكيمة و منظمة لا يتعداها الأفراد اينما كانوا، لإنها قد وضعت برغبة منهم، لكن احياناً تولد مع هذه الأفكار ، افكار مشوهة، ينم عنها الكثير من السوء، و تحدث فوضى لم تكن بالحسبان على المدى البعيد، إحدى هذه الافكار هي احتفال الناس بالأعياد و الاعراس و الاحزان بالأسلحة الخفيفية، حيث يطلقون العيارات النارية بشكل كثيف و مبالغ في الهواء.
إن هذه الأسلحة القاتلة” تستخدم في الحروب او في حالات الدفاع عن النفس، لأنها أدوات قد صنعها الانسان للقتل لا للأحتفال، لكن ما نراه اليوم هو السوء الذي أحدثته هذه الفكرة الخاطئة، التي لم يتسائل الناس يوماً عن الغاية منها.
حيث يعتقد بعض الناس أن اطلاق العيارات النارية منذ مئات السنين، كان وسيلة لنقل الاخبار، أي انهم عندما كانوا يطلقون العيارات النارية في الهواء، فذلك يعني أن احداً في تلك القرية قد توفى، او أن امراً سيئاً قد حدث، بمعنى آخر أن الفكرة الأصلية من هكذا فعل هو وسيلة من وسائل الاتصال آنذاك، لكنها اخذت تتطور و تزداد حتى انتشرت بشكل كبير في المجتمعات العربية بشكل عام، و المجتمع العراقي بشكل خاص.

اضرار هذه الظاهرة

إن دور المجتمع في هذه المرحلة له أهمية في محاربة هذه الظاهرة السلبية المنتشرة في كل مكان في العراق، خاصة في وسط و جنوب العراق، إذ تعد سبباً من اسباب القتل “غير المتعمد، حيث أزهقت هذه الرصاصات الطائشة الكثير من ارواح المدنيين العزل، و أنتهكت حرمة المجتمع، و أخلت بالأمن و النظام في الدولة ، ونشرت الرعب و الذعر، و تسببت بالكثير من اذى للناس، و أحدثت اعاقات جسدية لآخرين، و الحقت ضرراً نفسي لبعض الناس، خاصة الأطفال، و دمرت الممتلكات العامة و الخاصة، و كما نرى أن هذه الظاهرة اخذت بالانتشار بشكل سريع، حتى أصبحت نوع من انواع التفاخر و التباهي لدى بعض الناس، خاصة في المجتمعات التي يحكمها العرف العشائري.

حل العقدة و معالجة المشكلة

أن دور المجتمع يكمن في كيفية التصدي لهذه الأفعال و أيقافها، إذ نحتاج لإقتلاع فكرة اطلاق النار العشوائي من جذورها، و هذا لا يتم إلا بتكاتف من الجميع، كالقيام بحملات توعية مكثفة للتعريف عن مخاطر هذه الظاهرة، وتقديم البرامج الإعلامية المنوعة المتلفزة، أو عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي، التي تعتبر المصدر الأقوى لوصول المعلومات لكافة فئات المجتمع في كل مكان، و كيفية تعاونهم بالإبلاغ عن هذه الحالات، و الابلاغ عن الاشخاص الذين يقومون بهذه الأفعال ليتم محاسبتهم وفق القانون، و ذلك يكون بتعاون المجتمع مع الشرطة و الجهات الأمنية المعنية بمعالجة هذه الحالات.

ماذا عن دور القانون!

وفقاً لقرار مجلس قيادة الثورة المنحل رقم 570 لسنة 1982، يعاقب القانون العراقي بالحبس مدة لا تقل عن سنة واحدة ولا تزيد على ثلاث سنوات لكل من أطلق عيارات نارية في المناسبات العامة أو الخاصة داخل المدن و القرى و القصبات من دون أن يكون مجازاً بذلك من قبل السلطة المختصة ، ما أن قانون الأسلحة رقم 51 لسنة 2017 عاقب في المادة 24 منه على حمل السلاح من دون رخصة بالحبس والغرامات.

إن دور القانون يعتبر الدور الأهم لمكافحة و القضاء على هذه الظاهرة، و حفظ النظام، و ذلك لا يتم إلا بعدة امور أهمها  حصـر السلاح بيد الدولة، و تشديد العقوبات على المخالفين بالسجن و الغرامات كما تنص القوانين العراقية، و تصدير الأسلحة غير المرخصة، لأن قوة القانون توقف كل المتعدين و المذنبين،  و تفرض النظام، و تحفظ حقوق الانسان المدنية، و تعالج مشاكل الانظمة التي يتم مخالفتها من قبل المخالفين في هذا المجتمع، ومحاسبة الخارجين عن القانون بلغة القانون.

الخلاصة

إن ظاهرة الإطلاق العشوائي للعيارات النارية هي من الظواهر المنتشرة في أغلب المجتمعات ، ليست و لا تقتصر على المجتمع العراقي فقط، و قد ساعد الجهل و كثرة الحروب في ازديادها، و انتشار السلاح بشكل غير قانوني بيد الناس، لذلك نحتاج لإلتفاتة جدية من الجميع للحد منها، و إيقاف نزيف الدم و  و الفوضى و التخريب الذي أحدثته، فإن الجميع مسؤول امام نفسه، و امام الوطن.
إن الوعي المجتمعي له دور كبير في ضبط النظام ،  و يضمن أن لا أحد سينتهك  حقوق الآخرين، او يتعدى حدوده أو يهدد سلامة الآخرين، فإن تطور المجتمع و تقدمه يعتمد على مدى وعي الناس فيه و حجم معرفتهم بالأخطاء و التصرفات السيئة و تقديرها، و تلافيها، حتى لا يتم المساس بأمن الدولة و سيادتها و أمان الناس.

تقرير لـ نبراس جمال

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى