مقالات

الإعلام وغرس قيم المواطنة لدى الطفل

مجاشع محمد علي

نعيش اليوم عصر ما بعد الحداثة؛ حيث كانت الثورة الصناعية هي البدايات الأولى لعصر الحداثة، وكانت الصناعة – وخاصة الثقيلة والتحول إلى هذه الصناعات – ومن أهم مميزات الحداثة هي التطورات الكبيرة في نهايات القرن الماضي وخاصة في مجالات المعرفة والإنترنت، ولعل الإعلام من أكثر المستفيدين في هذا العصر حتى تم توظيف الإعلام في جميع مجالات الحياة ومنها الجانب التربوي؛ حتى بات الإعلام في ظل هذه المرحلة هو المؤسسة التربوية والتعليمية الجديدة التي حلت محل كل من الأسرة والمؤسسات التعليمية، ومن خلال هذه الوظيفة يمارس الإعلام أخطر أدواره الاجتماعية والتي تتمثل في إحداث ثورة إدراكية ونفسية تستهدف إعادة تأهيل البشر للتكيف مع متطلبات ما بعد الحداثة وشروطها.وتضمن المواطنة حقوق الإنسان في المجتمع والوطن والدولة؛ لكونها تنقل الحق الإنساني إلى حق للمواطنة عبر تشريعه وتقنينه، وتضمن استمرار المجتمع في الإطار السياسي الذي يعبر عنه وهو الدولة.وتؤدي المواطنة إلى بناء نظام سياسي مدني متحضر يقوم على أساس التعدد في العرق والمؤسسات والثقافة والإيديولوجيا والدين.وفي العراق الذي عانى من ازمات قوية وصراعات تسببت في التأثير سلبياً على نسيجه الاجتماعي حتى أن البعض بدأ يشعر بفقدان روح المواطنة التي تعد الأساس الدستوري للحقوق والحريات في الدولة كافة ومن ثم تصبح حقوق المواطنة أساس جميع الحقوق السياسية والمدنية والاقتصادية والاجتماعية التي ينص عليها الدستور والقانون ويكون شيوع ثقافة المواطنة هو تأكيد لثقافة الديمقراطية وتأكيد للحقوق المتساوية لكل المواطنين.وقد اهتم العراق بصحافة الطفل منذ فترة طويلة، نتيجة إيمانه بالدور البالغ لمجلات الأطفال، فكان العراق نقطة انطلاق مهمة لنشأة صحافة الطفل في الوطن العربي وتشير الدراسات إلى أن صحافة الطفل ظهرت في العراق عام 1922 وكان ظهورها في مجلة اسمها (التلميذ العراقي) وقد أصدر منها حوالي 30 عددا ثم اختفت وظهرت عام 1929 باسم مجلة (التلميذ)، وقد ادرك العراق في وقت مبكر دور الإعلام في تعزيز قيم المواطنة فاستثمر مجلات الأطفال وهي من أقدم الوسائل الإعلامٍية الموجهة للطفل آنذاك، والتي ينظر إليها على أنها لغة بصرية غير لفظية، وهي كشكل تعبيري مفضل لدى عامة الأطفال تعد وسيلة قادرة على الإسهام في تكوين ودعم قيم المواطنة لديهم؛ إذ إنه بمرور الوقت تتحول مجلة الطفل إلى صديق له؛ حيث تنشأ بينه وبين شخصيات المجلة وأبطالها وكتابها علاقة وطيدة، يرسم لهم صورًا في خياله، ويثق بهم.واليوم في ظل هذا التطور الكبير في تكنلوجيا وسائل الإعلام نلاحظ مدى ادراك الدول أهمية استثمار الإعلام وخاصة الألكتروني في معالجة مشكلة اجتماعية مهمة وهي المواطنة، لاسيما لدى الاطفال أي زرعها منذ الطفولةلذا من الأهمية تنشئة الأطفال على المواطنة، والتي تعد المفهوم الأساسي الذي تنهض عليه الدولة الحديثة؛ كونها الأساس الدستوري للمساواة بين أبناء الدولة الواحدة، فهي حقوق وواجبات، وهي أيضا أداة لبناء مواطن قادر علي العيش بسلام وتسامح مع غيره على أساس المساواة والتكافؤ في الفرص، والعمل قصد المساهمة في بناء وتنمية الوطن، والحفاظ علي العيش المشترك فيه فضلا عن أنها تشكل موروثًا مشتركًا من المبادئ والقيم والعادات والسلوكيات التي تسهم في تشكيل شخصية المواطن وتمنحها خصائص تميزها عن غيرها، وهي بذلك تجعل من الموروث المشترك حماية وأمانًا للوطن والمواطن. حيث تعد مرحلة الطفولة فترة مرنة من عمر الإنسان، فمن خلالها يمكن اكتساب طباعًا وعادات تبقى ملازمة للإنسان خلال فترة حياته كلها، ومن هنا أطلق عليها علماء النفس اسم: (الفترة التكوينيَة) نتيجة اكتساب الطفل للعادات والقيم المختلفة خلالها. وتستمد المواطنة أهميتها من كونها تحفظ للمواطن حقوقه المتنوعة وتوجب عليه واجبات تجاه دولته، فتقوم العلاقة على أساس الحقوق والواجبات، وتؤدي إلى رفع منسوب الثقة لدى المواطن والدولة في تجاه أحدهما للآخر، كما تضمن المساواة والعدل والإنصاف بين المواطنين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى