مقالات

الابتزاز‭ ‬العاطفي

د. نبراس المعموري

اصابتني‭ ‬نوبة‭ ‬استغراب‭ ‬طويلة‭ ‬عندما‭ ‬قامت‭ ‬ابنتي‭ ‬الصغيرة‭ ‬بشراء‭ ‬كتاب‭ ‬حمل‭ ‬عنوان الابتزاز‭ ‬العاطفي‭

!!‬قد‭ ‬يبدو‭ ‬الاستغراب‭ ‬نابع‭ ‬من‭ ‬استفهامي‭ ‬حول‭ ‬اسباب‭ ‬اختيار‭ ‬ابنتي‭ ‬لهذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬الكتب،‭ ‬او‭ ‬بالأحرى‭ ‬الشعور‭ ‬بالغيرة‭ ‬كون‭ ‬ابنتي‭ ‬سبقتني‭ ‬في‭ ‬اقتناء‭ ‬ذلك‭ ‬الكتاب‭ ‬،‭ ‬خاصة‭ ‬ان‭ ‬عنوانه‭ ‬شكل‭ ‬بالنسبة‭ ‬لي‭ ‬ردة‭ ‬فعل‭ ‬جعلتني‭ ‬أقرر‭ ‬كتابة‭ ‬مقال‭ ‬بهذا‭ ‬الصدد‭.‬قرأت‭ ‬الكتاب‭ ‬الذي‭ ‬تلون‭ ‬غلافه‭ ‬بالبرتقالي‭ ‬المحمر‭ ‬،‭ ‬وجدت‭ ‬فيه‭ ‬اجابات‭ ‬لأسئلة‭ ‬كانت‭ ‬تستفهم‭ ‬خزانة‭ ‬دماغي‭ ‬مسبقا‭ ‬ولم‭ ‬اجد‭ ‬لها‭ ‬جواباً‭ ‬الا‭ ‬عندما‭ ‬تصفحت‭ ‬اوراقه،‭ ‬ووضعت‭ ‬رصاص‭ ‬قلمي‭ ‬تحت‭ ‬بعض‭ ‬مفرداته‭ .‬لكل‭ ‬منا‭ ‬حكايات‭ ‬ومواقف‭ ‬نابعة‭ ‬من‭ ‬بيئته‭ ‬وطريقة‭ ‬تنشئته‭ ‬ونوعية‭ ‬المحيطين‭ ‬به‭ ‬،‭ ‬لتشكل‭ ‬بالمجمل‭ ‬مفاتيح‭ ‬لابواب‭ ‬الإبتزاز‭ ‬العاطفي‭ ‬و‭ ‬التي‭ ‬جعلت‭ ‬مؤلفة‭ ‬الكتاب‭ (‬سوزان‭ ‬فوروارد‭) ‬تعرفه‭ ‬بانه‭ “‬اسلوب‭ ‬الخوف‭ ‬والالزام‭ ‬يستخدمه‭ ‬البعض‭ ‬في‭ ‬حياتك‭ ‬لغرض‭ ‬الشعور‭ ‬بالذنب‭ ‬والتلاعب‭ ‬بك‭”.

‬حلبة‭ ‬ذلك‭ ‬الابتزاز‭ ‬غالبا‭ ‬ما‭ ‬تكون‭ ‬بين‭ ‬شخصين‭ ‬تجمع‭ ‬بينهما‭ ‬علاقة‭ ‬شخصية‭ ‬قوية،‭ ‬أو‭ ‬علاقة‭ ‬حميمية‭ (‬الأم‭ ‬والابنة،‭ ‬والزوج‭ ‬والزوجة،‭ ‬والشقيقتين‭ ‬او‭ ‬الشقيقين،‭ ‬والأصدقاء‭ ‬المقربين‭)‬،‭ ‬ويحدث‭ ‬خلالها‭ ‬استخدام‭ ‬منظومة‭ ‬من‭ ‬التهديدات‭ ‬وأنواع‭ ‬مختلفة‭ ‬من‭ ‬العقاب‭ ‬يوقعها‭ ‬شخص‭ ‬ما‭ ‬على‭ ‬الآخر‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬للسيطرة‭ ‬على‭ ‬سلوكه‭.‬فلماذا‭ ‬يلجأ‭ ‬البعض‭ ‬الى‭ ‬الابتزاز‭ ‬العاطفي‭ ‬؟‭ ‬ان‭ ‬الذين‭ ‬يمارسون‭ ‬الابتزاز‭ ‬يدركون‭ ‬في‭ ‬قرارة‭ ‬أنفسهم‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬يطلبونه‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬حقهم‭ ‬،‭ ‬لذا‭ ‬يلجأون‭ ‬الى‭ ‬الاحتيال‭ ‬لتحقيق‭ ‬أغراضهم‭, ‬ويزيد‭ ‬الإبتزاز‭ ‬العاطفي‭ ‬في‭ ‬العائلات‭ ‬والمجتمعات‭ ‬التي‭ ‬تتحكم‭ ‬المشاعر‭ ‬العاطفية‭ ‬في‭ ‬سلوكيات‭ ‬أبنائها‭ ‬،‭ ‬فيستغل‭ ‬الطرف‭ ‬المبتز‭ ‬للطرف‭ ‬الآخر‭ ‬ويستنزفه‭ ‬ماديا‭ ‬أو‭ ‬معنويا‭ ‬حتى‭ ‬يتمكن‭ ‬من‭ ‬ان‭ ‬يبقيه‭ ‬تحت‭ ‬السيطرة‭ ‬مستغلا‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬حظوته‭ ‬عنده،‭ ‬ويخلق‭ ‬لديه‭ ‬شعورا‭ ‬بالذنب‭ ‬على‭ ‬خطأ‭ ‬لم‭ ‬يرتكبه‭ ‬فلا‭ ‬يكون‭ ‬مرتاحا‭ ‬ويمكن‭ ‬أن‭ ‬يتأثر‭ ‬نفسيا‭ ‬بسبب‭ ‬الضغط‭ ‬الكبير‭ ‬عليه‭ .‬ضحايا‭ ‬الأبتزاز‭ ‬العاطفي‭ ‬يلعبون‭ ‬دورا‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬‭,‬‭ ‬إذ‭ ‬يبدون‭ ‬تعاطفا‭ ‬مبالغا‭ ‬فيه‭ ‬اتجاه‭ ‬من‭ ‬يبتزهم‭ ‬ويستجيبون‭ ‬له‭ ‬‭,‬‭ ‬لشعورهم‭ ‬بالذنب‭, ‬لذلك‭ ‬يلعبون‭ ‬دور‭ ‬المنقذ‭ ‬ودور‭ ‬الراعي‭ ‬بشكل‭ ‬مبالغ‭ ‬فيه‭ ‬‭,‬‭ ‬فيغرون‭ ‬المبتز‭ ‬بمواصلة‭ ‬سلوكه‭ ‬الإبتزازي‭, ‬ومع‭ ‬الاسف‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬العلاقات‭ ‬انتهت‭ ‬حين‭ ‬يكتشف‭ ‬الضحية‭ ‬أنه‭ ‬تعرض‭ ‬لخداع‭ ‬كبير‭ ‬باسم‭ ‬الحب‭ ‬أو‭ ‬الصداقة‭ ‬أو‭ ‬القرابة‭ ‬أو‭ ‬الشفقة‭ ! .‬لقد‭ ‬فسر‭ ‬الكتاب‭ ‬مواقف‭ ‬عدة‭ ‬تعرضت‭ ‬لها‭ ‬دون‭ ‬ان‭ ‬ادرك‭ ‬انني‭ ‬ابتز‭ ‬عاطفياً،‭ ‬و‭ ‬جعلني‭ ‬استفهم‭ ‬هل‭ ‬المشكلة‭ ‬في‭ ‬من‭ ‬يمارس‭ ‬الابتزاز‭ ‬ام‭ ‬في‭ ‬ضحية‭ ‬الابتزاز؟‭ ‬وحسب‭ ‬ما‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬الكتاب‭ ‬فأن‭ ‬الاثنان‭ ‬يحتاجان‭ ‬للعلاج‭ ‬فمن‭ ‬يمارس‭ ‬الإبتزاز‭ ‬تعلم‭ ‬منذ‭ ‬طفولته‭ ‬أن‭ ‬يحصل‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يريد‭ ‬بهذه‭ ‬الطرق‭,‬‭ ‬وتعود‭ ‬أن‭ ‬المحيطين‭ ‬به‭ ‬الذين‭ ‬اوصلوا‭ ‬له‭ ‬فكرة‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬مغلوطة‭ ‬بسبب‭ ‬سلوك‭ ‬معين‭ ‬لهم‭ ‬بانهم‭ ‬لا‭ ‬يحبونه‭ ‬إلا‭ ‬بشروط‭ ‬ومن‭ ‬خلال‭ ‬استراتيجيات‭ ‬معقدة‭,‬‭ ‬ولذلك‭ ‬يحتاج‭ ‬لتبصيره‭ ‬بما‭ ‬يحدث‭ ‬ووقف‭ ‬تعزيز‭ ‬سلوك‭ ‬الإبتزاز‭ ‬عنده‭ ‬‭,‬‭ ‬ومنحه‭ ‬ما‭ ‬يحتاج‭ ‬من‭ ‬المشاعر‭ ‬بشكل‭ ‬ناضج‭ ‬وليس‭ ‬تحت‭ ‬تأثير‭ ‬الإبتزاز‭ ‬‭,‬‭ ‬ومراعاة‭ ‬احتياجه‭ ‬للأمان‭ ‬والحب‭ ‬غير‭ ‬المشروط‭ . ‬

ومن‭ ‬جانب‭ ‬آخر‭ ‬يحتاج‭ ‬الضحية‭ ‬للتدريب‭ ‬على‭ ‬اكتشاف‭ ‬ورصد‭ ‬وسائل‭ ‬الإبتزاز‭ ‬العاطفي‭ ‬واستراتيجياته‭ ‬وأشكاله‭ ‬‭,‬‭ ‬وأن‭ ‬يفهم‭ ‬التركيبة‭ ‬النفسية‭ ‬للمبتز‭ ‬عاطفيا‭ , ‬وأن‭ ‬يتحكم‭ ‬في‭ ‬مشاعره‭ ‬فلا‭ ‬تستنزف‭ ‬أو‭ ‬تستدرج‭ ‬تحت‭ ‬تأثير‭ ‬مشاعر‭ ‬الذنب‭ ‬أو‭ ‬الخوف‭ ‬التي‭ ‬يزرعها‭ ‬فيه‭ ‬المبتز‭.

في‭ ‬النهاية‭ ‬المبتز‭ ‬والضحية‭ ‬كانا‭ ‬فارسا‭ ‬تلك‭ ‬السطور،‭ ‬ولا‭ ‬اخفيكم‭ ‬سراً‭ ‬انني‭ ‬كنت‭ ‬استذكر‭ ‬ما‭ ‬تفعله‭ ‬بي‭ ‬ابنتي‭ ‬حتى‭ ‬احقق‭ ‬لها‭ ‬ما‭ ‬تريد‭ ‬،‭ ‬وانا‭ ‬اعيش‭ ‬نشوة‭ ‬البطلة‭ ‬التي‭ ‬حققت‭ ‬لأبنتها‭ ‬ما‭ ‬تريده‭ ‬دون‭ ‬ان‭ ‬أدرك‭ ‬انني‭ ‬بذات‭ ‬الوقت‭ ‬ضحية‭ ‬حبي‭ ‬لها‭ ‬وهي‭ ‬تمارس‭ ‬دور‭ ‬آخر‭ ‬العنقود‭ ! ‬لذلك‭ ‬احذروا‭ ‬الابتزاز‭ ‬العاطفي‭ ..‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى