مقالات

الاحزاب‭ ‬ليست‭ ‬العنوان‭ ‬الصحيح

فاتح عبدالسلام

الحياة‭ ‬الحزبية‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬يوماً‭ ‬هي‭ ‬الحياة‭ ‬المثلى‭ ‬التي‭ ‬ترسم‭ ‬صورة‭ ‬حقيقية‭ ‬عن‭ ‬نبض‭ ‬العراقيين‭ ‬وآمالهم‭ ‬ووعيهم‭ ‬وطموحاتهم،‭ ‬بل‭ ‬لعل‭ ‬أحوال‭ ‬العنف‭ ‬التي‭ ‬لحقت‭ ‬بصورة‭ ‬العراقيين‭ ‬مراراً،‭ ‬كانت‭ ‬قد‭ ‬تجلّت‭ ‬في‭ ‬سياقات‭ ‬منظمة‭ ‬مبكراً،‭ ‬مع‭ ‬مرحلة‭ ‬ضلوع‭ ‬الأحزاب‭ ‬في‭ ‬العقود‭ ‬الماضية‭ ‬ومنذ‭ ‬العهد‭ ‬الملكي،‭ ‬بالتحكم‭ ‬في‭ ‬مسارات‭ ‬عدة‭ ‬بالمشهد‭ ‬العام‭ ‬في‭ ‬الشارع‭.‬

بعد‭ ‬تجربة‭ ‬حكم‭ ‬حزب‭ ‬البعث‭ ‬الشمولية‭- ‬1968‭-‬2003‭- ‬التي‭ ‬تعد‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬تمثيل‭ ‬الحكم‭ ‬الحزبي‭ ‬الخالص‭ ‬في‭ ‬العراق،‭ ‬جاءت‭ ‬مع‭ ‬حقبة‭ ‬الاحتلال‭ ‬الأمريكي‭ ‬2003‭ ‬تجارب‭ ‬الأحزاب‭ ‬القديمة‭ ‬والجديدة‭ ‬مجتمعة‭ ‬لتصنع‭ ‬مشهداً‭ ‬حزبياً‭ ‬عارماً‭ ‬للحياة‭ ‬العراقية،‭ ‬وهو‭ ‬في‭ ‬الحقيقة‭ ‬ليس‭ ‬المشهد‭ ‬الذي‭ ‬يمثل‭ ‬صورة‭ ‬العراقيين‭ ‬وتطلعاتهم‭ ‬وحيوتهم‭ ‬وابداعاتهم‭ ‬الثقافية‭ ‬والفنية‭ ‬والعلمية،‭ ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬جاءت‭ ‬حالة‭ ‬النكوص‭ ‬العام‭ ‬المتكررة‭.

‬نقول‭ ‬بثقة”‭ ‬يكاد‭ ‬المريبُ‭ ‬يقول‭ ‬خذوني”،‭ ‬في‭ ‬توصيف،‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬الحملة‭ ‬الرسمية‭ ‬الأخيرة‭ ‬الناقصة‭ ‬وغير‭ ‬الناضجة‭ ‬لمحاربة‭ ‬المحتوى‭ ‬الهابط‭ ‬في‭ ‬مواقع‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬بعد‭ ‬عقدين‭ ‬متواصلين‭ ‬جرى‭ ‬فيهما‭ ‬ترك‭ ‬الحبل‭ ‬على‭ ‬الغارب‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬نواحي‭ ‬الحياة‭ ‬ليدب‭ ‬فيها‭ ‬الفساد،‭ ‬حتى‭ ‬انّ‭ ‬نيل‭ ‬الشهادات‭ ‬للماجستير‭ ‬والدكتوراة‭ ‬صار‭ ‬مُتاحاً‭ ‬عبر‭ ‬أقنعة‭ ‬الاستتار‭ ‬وراء‭ ‬مكاتب‭ ‬علمية‭ ‬خارجية‮»‬‭ ‬تبيع‭ ‬وتتربح،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬ينزل‭ ‬يوما‭ ‬بعد‭ ‬يوم،‭ ‬المستوى‭ ‬العلمي‭ ‬الى‭ ‬الدرك‭ ‬الاسفل‭ ‬جارفاً‭ ‬معه‭ ‬منظومة‭ ‬القيم‭ ‬الاجتماعية‭ ‬التي‭ ‬تمسك‭ ‬بالتكوينات‭ ‬الاسرية‭ ‬والمجتمعية‭ ‬قبل‭ ‬سلطة‭ ‬القوانين.‭

ينبغي‭ ‬ان‭ ‬نستعيد‭ ‬الوجه‭ ‬الثقافي‭ ‬والفكري‭ ‬والعلمي‭ ‬والفني‭ ‬والرياضي‭ ‬والحضاري‭ ‬للحياة‭ ‬العراقية‭ ‬بعيدا‭ ‬عمّا‭ ‬لحقها‭ ‬من‭ ‬أدران‭ ‬الأحزاب‭ ‬التي‭ ‬خربت‭ ‬ولم‭ ‬تعمر‭ ‬الا‭ ‬في‭ ‬الحدود‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬فيها‭ ‬المصالح‭ ‬الخاصة‭ ‬تتقدم‭ ‬المشهد‭.‬

هنا‭ ‬تكون‭ ‬من‭ ‬الخطايا‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تغتفر‭ ‬ان‭ ‬يجري‭ ‬الحاق‭ ‬أي‭ ‬فعالية‭ ‬للاتحادات‭ ‬والنقابات‭ ‬الثقافية‭ ‬والصحفية‭ ‬والفنية‭ ‬في‭ ‬ركاب‭ ‬الأحزاب‭ ‬ومناسباتهم‭ ‬وانشطتهم‭ ‬وشخوصهم‭. ‬طموح‭ ‬العراقي‭ ‬في‭ ‬الأصل‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬يجد‭ ‬شخصيات‭ ‬من‭ ‬خارج‭ ‬منظومات‭ ‬الأحزاب‭ ‬تتصدر‭ ‬المشهد‭ ‬الحكومي‭ ‬والسياسي‭ ‬للبلد،‭ ‬وهذا‭ ‬يبدو‭ ‬مستحيلا‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬العراق‭ ‬اليوم،‭ ‬لذلك‭ ‬في‭ ‬الأقل،‭ ‬ان‭ ‬يكون‭ ‬للعراقيين‭ ‬متنفسهم‭ ‬الثقافي‭ ‬والوجداني‭ ‬والعلمي‭ ‬الحر‭ ‬الناجي‭ ‬من‭ ‬دوّامات‭ ‬حزبية‭ ‬سياسية‭ ‬تريد‭ ‬ان‭ ‬تصادر‭ ‬حياة‭ ‬كل‭ ‬العراقيين‭ ‬بأشكال‭ ‬مختلفة،‭ ‬بعيداً‭ ‬عن‭ ‬إطار‭ ‬الحزب‭ ‬الواحد‭ ‬الشمولي،‭ ‬لكن‭ ‬قريباً‭ ‬من‭ ‬كتلويات‭ ‬حزبية‭ ‬ذات‭ ‬سلوكيات‭ ‬شمولية‭ ‬بثوب‭ ‬ديمقراطي‭ ‬مهلهل‭ ‬ومتشقق‭.‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى