مقالات

البابا وجُلساء الصف الأول

د. فاتح عبدالسلام

الزيارة البابوية مهمة للعراق، وقيل فيها الكثير من حماس وترحيب وأمل ورجاء وتأويل وتنبؤات مبكرة وعتب على التأخير، وهذا كله يأتي من كونها الأولى لبلاد الرافدين مهد الأنبياء والاولياء .الدعوات التي أطلقها البابا فرنسيس بشأن نبذ السلاح والتطرف والتحزب وسوء استخدام السلطة والفساد، هي مفردات طموح العراقيين الذين خاضوا غمار الدماء والويلات من أجل بلوغها، ولم يبلغها أحد طوال ثمانية عشر سنة، كان الملايين في بدايتها يحلمون بعراق آخر آمن، بعد ما مرَّ عليهم من حروب ثلاث كبيرة غمرتهم منذ العام ١٩٨٠ وحتى ٢٠٠٣. ولم يدركوا أنّ الحروب التالية أدهى وأمرّ.ربما ستمر الزيارة التاريخية من دون حدث مارق يعكرها، وسيتجلى في أيامها الاربعة التزام الجهات الرسمية وغير الرسمية بإظهار التعاطي الايجابي مع كل القيم التي تحدّث عنها البابا سواء من قبل المؤمنين بها أو الرافضين لها. لكنّ هذا هو العراق تجري فيه طبخات مرّة، لا أحد في العالم يستطيع أن يفهم كيف يتجرّعها أهله، لكنها الطبيعة العراقية المزدوجة بين اللين والصعوبة، وبين الرقة والعنفوان، من دون موازنة بين طرف وآخر، لاسيما في هذا الزمن المختلط الذي تعبث في مصائر العراقيين الايدي الاجنبية .إنَّ بعض ما قاله البابا يتناقض مع ما يؤمن به جُلساء الصف الاول أو الصف الثاني ممّن قابلهم أو كانوا بعيدين عنه، من الساسة . ذلك انّ دعوة رفض التحزب لدى الاغلبية هي من المحرمات التي لا يجرؤ أحد على الخوض فيها، كما انَّ نبذ السلاح يعد تدخلاً في شؤون داخلية لكيانات وتنظيمات ومليشيات وأحزاب يقوم وجودها ومصدر دخلها واستمراريتها على ذلك السلاح.إنَّ جُلساء الصف الاول هم الاكثر تفنُناً في إسماع زوّارهم الكبار، الطيّب والمعطّر واللبق والزاهر والوارف والنفيس والبرّاق من الكلمات، وهذا قدر زوّار بلادنا في نيل حصصهم من تلك العطايا اللفظية الباذخة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى