مقالات

الحرية للمعتقلين


الكاتب حميد مرادم

في الايام الاولى من استلام السيد رئيس مجلس الوزراء مصطفى الكاظمي لمهام عمله اصدر عددا ً من القرارات المهمة كان اهمها قرار اطلاق سراح جميع المعتقلين من المتظاهرين السلميين .. كان هذا القرار محل تقدير عالي وارتياح كبير من قبل جميع الاطراف العاملة في الشؤون المدنية المحلية والدولية وعموم الشعب العراقي.

استلم مجلس القضاء الأعلى هذا القرار لكن الشيء الخطير والغريب انهم اعلنوا ” عن إخلاء جميع السجون والمواقف من المتظاهرين !! ” هذا التصريح اعطى علامات استفهام كثيرة وتأتي في مقدمتها وجود جهات مسلحة ومتنفذة كانت تلاحق وتطارد الناشطين وتعتقلهم وتضعهم في معتقلات خاصة بهم، يشرف عليها اشخاص شديدي السرية ومعتمدين من قبل اسيادهم اعداء الشعب العراقي.

شهدت المدن العراقية منذ الاول من شهر تشرين الاول من عام 2019 ولغاية الان احتجاجات واعتصامات وتظاهرات سلمية حاشدة مطالبة بالحقوق الانسانية والاساسية المشروعة، والدعوة للإصلاحات العامة في البلاد، ورافقت هذه التظاهرات العصيان المدني واضراب كبير من قبل طالبات وطلاب المدارس والجامعات والكادحين وبقية افراد المجتمع لدعم المتظاهرين، وانهاء الفساد من مفاصل مؤسسات الدولة، والمطالبة بإجراءات جديدة تخدم المواطن والدولة على ان لا تكون لصالح الاحزاب التي جلبت الطائفية والعنف وانتشار السلاح وزرع الفوضى وسلب الاموال العامة، وتدمير البنية التحتية للدولة العراقية.

ومع انطلاق الاحتجاجات شنت الاجهزة الامنية وميلشياتها المسلحة المدعومة من احزاب السلطة والاطراف الخارجية حملة اعتقالات عشوائية واسعة وملاحقة الناشطين من الشابات والشباب في مدن ومناطق بغداد والمحافظات المنتفضة وبأسلوب العصابات المنفلتة، وهي مدججة بالسلاح وملثمين وبسيارات حكومية، واخرى غير حكومية لا تحمل ارقاما ً، تطارد وتلاحق الفاعلين في الحراك الشعبي من اجل الترهيب والتخويف وزجهم في معتقلات خاصة، واغلب المعتقلين لم تصدر بحقهم اوامر قبض من القضاء العراقي، وتكون اماكن احتجازهم في المراكز الامنية وليس في مراكز الشرطة المحلية !! وعند اعتقالهم تكون التهم الموجهة لهم جاهزة للنيل منهم مثل ” التحريض على التظاهرات – التخريب – الاعتداء على القوات الامنية – حرق الممتلكات – العمالة لدولة اجنبية – والتهديد بالمادة 4 ارهاب ” كما تمارس ضدهم كافة الاساليب الدنيئة، والاستجوابات غير القانونية، وقيام الجهة المختطفة بتعذيب المختطف وتسجل له اعترافات وتصورها على انه يعمل مع جهات خارجية في تحد صارخ للعهود والمواثيق الدولية ومبادئ حقوق الانسان، وللمادة (38) من الدستور العراقي لسنة 2005 في الفصل الثاني الحريات، والتي تنص على ان تكفل الدولة وبما لا يخل بالنظام العام والآداب:
اولا ً ـ حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل.
ثانيا ً ـ حرية الصحافة والطباعة والاعلان والاعلام والنشر.
ثالثا ً ـ حرية الاجتماع والتظاهر السلمي وتنظم بقانون.
والمخالفة ً كذلك للمادة (9) من الدستور العراقي التي تنص على ان القوات المسلحة العراقية والأجهزة الأمنية تقوم بالدفاع عن العراق ولا تكون أداة لقمع الشعب العراقي، ولا تتدخل في الشؤون السياسية وان لا يكون لها في تداول السلطة.

ونتيجة لخطورة وضع المعتقلين العراقيين ناشدت العديد من الجهات والهيئات والاطراف المحلية والدولية الحكومة العراقية لإيقاف الاعتقالات واطلاق سراح الناشطين، فاصدر مجلس القضاء العراقي في 19/11/2019 بإطلاق سراح (2400) متظاهر معتقل .. وفي 26/11/2019 اعلن رئيس الوزراء المستقيل عادل عبد المهدي عن إطلاق سراح (2600) متظاهر، وقبل اطلاق سراح أي متظاهر يطلبونه بتعهد خطي على عدم المشاركة في التظاهرات مستقبلا ً، وفي حال مشاركته يتم اعتقاله من جديد ويعرضون الاعترافات على القضاء لمحاكمته، في طريقة فاشية لمصادرة الحريات العامة، ولا يزال المئات مصيرهم مجهول في معتقلات وسجون غير معروفة في العراق !! لدى جهات يبدو انها اقوى من اجهزة الحكومة.

لقد عانى العراقيون الابرياء من الجهات المسيطرة على زمام الامور في الدولة وخاصة ً في الحكومات السابقة من الاساليب البوليسية وسياسة الترهيب واستعدادهم بإلصاق التهم والتلويح بمادة اربعة ارهاب لكل من يخالفهم الراي، فقاموا بزج آلاف الضحايا في المعتقلات والسجون ومراكز الاحتجاز وفي وضح النهار ولأشهر عدة ومنهم لسنوات طويلة حكم عليهم بدعوات كيدية او نتيجة المخبر السري او بالمادة اربعة ارهاب او معتقل لأسباب طائفية، وهناك المئات بل الالاف من الضحايا المحتجزين ومنذ سنوات لم يتم تقديمهم للقضاء، ولم تعرف امكان وجودهم، رغم الشكاوي المقدمة من ذويهم لمعرفة مصير ابناءهم لكن الجهات الحكومية لا ترد ولا تعطي أي جواب لطمأنتهم في تصرف غير اخلاقي ولا انساني، وتهرب واضح من المسؤولية القانونية والدستورية.

على الحكومة ووفق الدستور عرض المعتقل او الموقوف الى القضاء في مدة لا تزيد عن اربعة وعشرين ساعة .. لكن المشكلة الاخطر في العراق هو احتجاز الافراد من دون علم القضاء الى جانب الكثير من الجهات الحكومية، واصبح جليا ً لدى عامة الشعب من ان الحكومات السابقة فقدت مصداقيتها، وكان لديها الاستعداد التام للقيام باي انتهاك صارخ او تجاوز من اجل البقاء والحفاظ على سلطتهم، رغم الاخفاقات المستمرة وتراكم الاخطاء في ادارتهم للدولة.

وبعد تصريح مجلس القضاء اعلن رئيس الوزراء عن تشكيل لجنة عليا لتقصي الحقائق حول وجود سجون حكومية سرية، يحتجز فيها متظاهرون واللجنة برئاسة وزير الداخلية عثمان الغانمي، وهي مبادرة جيدة نأمل من هذه اللجنة العمل بإرادة عراقية حقيقية للكشف عن هذه السجون ومعرفة مصير المعتقلين والمغيبين، وانهاء هذا الملف الخطير المناهض لحقوق الانسان في العراق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى