مقالات

الدولة والمواطن

اياد مهدي عباس

منذ بداية تكوين فكرة قيام الدولة ككيان سياسي كان المواطن هو محور الدولة والقاعدة الصلبة التي ترتكز عليها مؤسساتها وبناء هيكلها الإجتماعي والسياسي. لذلك كانت جميع النظريات السياسية التي تهتم في بناء الدولة، خصوصا تلك الدولة ذات الطابع الديمقرطي الحقيقي تضع في حساباتها بناء المواطن اولاً ومن ثم بناء الوطن، لأنها تدرك جيداً ان بناء الوطن هو نتيجة طبيعية وثمرة من ثمار بناء المواطن اذا ما تم بناؤه بناءً سليماً وصحيحاً. فالمواطن في الأنظمة الديمقراطية يمثل رأسمالها الحقيقي والثروة التي لا تنضب وهو القوة التي تستمد منها الدولة شرعيتها وسلطتها عكس ما هو قائم في الأنظمة الشمولية التي يكون الحاكم فيها هو مصدر التشريع وهو من يمد الدولة ونظامها بالقوة والاستمرارية، وبالتالي يكون المواطن والوطن كلاهما وسيلة لدى الحاكم من أجل إشباع غروره ونزواته ولم يكن بناء الوطن والمواطن غايته المفضلة ومسؤوليته التاريخية لذلك تكون هذه الأنظمة في واد وطموح المواطن وتطلعاته في واد اخر. فالاهتمام بالمواطن وتقديم كل ما يحقق له الرفاهية والازدهار أمر ضروري وحق مشروع من حقوقه الطبيعية في ظل الأنظمة الديمقراطية السليمة، فكانت مهمة توفير مستلزمات الحياة الكريمة من صميم مهام الدولة وواجباتها، اتجاه مواطنيها ولم تكن في توفيرها منّةً منها على المواطن. بينما الحال مختلف في كثير من البلدان وخصوصا بلدان العالم الثالث، فاذا ما تم تقديم شيء من الخدمات لمواطنيها يكون ذلك بمثابة المكرمة والهبة من قبل المسؤول، وعطية من عطاياه على الناس فينعكس ذلك بمرور الزمن على قناعات المواطن وسلوكه، فيعتاد المواطن على ان ما يقدم له من خدمات تندرج ضمن مفهوم المكرمة والهبة، فأصبحت هذه القناعات تصب في مصلحة المسؤول او المرشح واستخدامها كوسيلة للوصول الى السلطة او المنصب، وهذا ما نشاهده يومياً اثناء الدعاية الإنتخابية لبعض النواب حينما تقترب فترة الانتخابات البرلمانية يهتم بتقديم الخدمات البسيطة لغرض كسب قناعات الناس للوصول الى قبة البرلمان. لذا كان مفهوم المسؤولية في الأنظمة التي قطعت شوطاً طويلاً في العمل الديمقراطي هو تكليف وتفويض من قبل الشعب، من اجل تقديم الأفضل والأجود له، بينما في بعض الأنظمة التي لم تبلغ مرحلة النضج السياسي والديمقراطي، تكون المسؤولية في نظر المسؤول هي تشريف وجاه وغنيمة له ولأسرته وأقاربه على حساب المواطن والوطن. ففي الدول ذات النهج الديمقراطي السليم يضع المسؤول نفسه تحت مراقبة الذات اولاً قبل مراقبة الاخرين له، لأنه يدرك جيداً أن المسؤولية هي خدمة وعمل وتفانٍ وإن الوصول الى مكان المسؤولية يمر عن طريق الاخلاص في العمل و تقديم ما هو افضل للوطن والمواطن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى