مقالات

الشيوخ الأساتذة

الشيوخ الأساتذة – جليل وادي

ليس من هدف للديمقراطية سوى تحقيق العدالة ، العدالة بالمشاركة في اتخاذ القرار ، وضمان حرية الجميع في التعبير عن الرأي ، وعدم التمييز بين المواطنين على أسس عرقية او مذهبية او دينية . ولا يُراد بالديمقراطية بعدها السياسي فحسب ، بل جوهرها يكمن في بعدها الاجتماعي ، لذا صار الحديث عن المضمون الاجتماعي للديمقراطية ، فلا ديمقراطية حقيقية مع قمع الحريات الاجتماعية ، او عدم تكافؤ الفرص ، ولا ديمقراطية مع الوصاية التي يراها البعض بأنفسهم ، ويظنون طريقهم صحيحا وطرق الآخرين خاطئة ، وما على المجتمع الا السير على نهجهم طوعا او قسرا او تحسبا ، واذا فُقدت العدالة ، فالديمقراطية لا شك زائفة ، ولا يرتجى منها شيئا ، وتشبه الدكتاتورية في نتائجها ، بعثرة للثروات ، وهدر للطاقات ، وبؤس للحاضر ، وغموض للمستقبل ، وانكماش للسامي من القيم ، واتساع للفساد ، ومعها تتحول البلدان الى غابة ، قويها يأكل ضعيفها ، ما يجعل الانهيار وشيكا ومتوقعا في كل لحظة .وبما ان العدالة هدف الديمقراطية ، فلا بد لآليات ممارستها أن تكون كذلك ، وأولها عمليات الترويج للمرشحين ، فمن خلال النشاط الدعائي عبر وسائل الاعلام التقليدية والترويج الممول عبر المواقع الالكترونية واللافتات المنتشرة في مختلف الأماكن ، نلحظ تباينا واسعا ، مساحات زمنية كبيرة خصصت لمرشحين معينين ، تتكرر يوميا في أغلى الفضائيات العربية والمحلية وشاشات الاعلانات الضوئية ، لوحات دعائية كبيرة الحجم وبتصاميم احترافية ، تملأ الشوارع وواجهات البنيات بعدد غير طبيعي وفي أماكن بارزة ومنتقاة ، ما يعني ان المرشحين يدفعون مبالغ لأصحاب هذه الأماكن ، وأغلب هؤلاء المرشحين من الزعماء والأعضاء السابقين في البرلمان ، بينما نرى ترويجا دعائيا متواضعا وخجولا للمرشحين الجدد ، ما يشير الى وجود مرشحين أثرياء وآخرين متوسطي الحال ، ونعرف ان للحملات الدعائية تأثيراتها في نتائج الانتخابات ، لذا كان على مفوضية الانتخابات اتخاذ اجراءات تضمن فرصا متساوية للجميع ، كأن تحدد أشكال الترويج المسموح بها ، او تشتري مساحات زمنية في محطات تلفزيونية واذاعية توزع بالتساوي بين المرشحين ، وبهذا نحقق العدالة بين المتنافسين ، ونوقف هدر الأموال .تسعى الممارسة الديمقراطية الى ايصال المتنورين لدائرة صنع القرار ، فتطور الحياة مرهون بالعقول المستنيرة التي غادرت المتخلف من الثقافة ، والمتحررة من الأوهام ، والمتجاوزة لما هو طائفي وعشائري وحتى قومي لحساب الوطني والانساني . فالذي يغازل نفسا طائفيا او عشائريا او قوميا بهدف الوصول للسلطة لن يسهم في بناء الوطن أبدا ، وكثير من الطامحين لقبة البرلمان عملوا على وفق مبدأ مكيافلي ( الغاية تبرر الوسيلة ) ، ومن الوسائل ما هو علني كما في المغازلة العشائرية ، اذ يندر أن تجد مرشحا لم يذكر لقبه العشائري ، ومنها ما هو غير علني كالعزف على الوتر الطائفي والقومي الذي يجري في لقاءات بعض المرشحين بالناخبين في المناطق .يمكن لك أن تضحك وتستمتع وانت ترى اللافتات الدعائية ، وأحيانا ضحكك يكون كالبكاء ، فبعض المرشحين أطلق على نفسه ( الشيخ الأستاذ ) و ( الشيخ المحامي ) وغيرها ، ولا أدري كيف جمع هؤلاء المرشحون بين هذين اللقبين ، ولن أتحدث عن كلمة ( استاذ ) بوصفها لقبا علميا كما اعترض الدكتور هاشم حسن على استخدامها في منشور على صفحته بالفيس بوك ، ولكني اتساءل كيف سيرتقى بنا من يؤمن بالعشيرة ويدين لها بالولاء ، بينما نتطلع لدولة مدنية تتجاوز مثل هذه المفاهيم السابقة للدولة كنظام .وفي وقت تعمل البلديات فيه على تحسين الجزرات الوسطية بزراعتها بالثيل والورد والأشجار ، نرى فرق المرشحين تخرب ما أنجزته البلدية من أجل رفع لافتاتهم ، ووصل الأمر بالبعض الى الصاق لافتاتهم على اعلانات حكومية رسمية ، ومنها ما يحجب رؤية سائقي المركبات ، لم نسمع بإجراء حكومي لإيقاف هذه التجاوزات ، يقينا ان من يخرب عندما يكون مرشحا لا يمكن أن يبني عندما يكون قائدا .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى