slideمقالات

العراق وتركيا: دلالات الغارات ومستقبل العلاقة

كرم سعيد

برغم نفي العراق وجود أي تحركات عسكرية تركية في فضاء منطقة سنجار، إلا أن الغارات التي بدأتها تركيا في شكل متقطع منذ 10 آذار (مارس) 2018 على شمال العراق، أدت إلى توتر العلاقة بين أنقرة وبغداد التي ترى في الغارات اختباراً حقيقياً لمدى قدرتها على حماية حدودها، وبسط سلطتها على ترابها الوطني. وازداد التوتر مع إعلان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في 25 آذار بدء عملية عسكرية في سنجار، وهو ما قد يؤسس لبداية جديدة، وتغيير كبير في النهج الاستراتيجي للسياسة الخارجية التركية تجاه الأكراد في المنطقة، والتي لا يمكن استقراء منطلقاتها أو تداعياتها بمعزل عن نجاحات تركيا في عفرين السورية.

وتأتي الغارات في إطار إستراتيجية استباقية تتبناها تركيا لمواجهة الصعود الكردي، في دول الجوار، وبخاصة العراق وسورية. والأرجح أن الغارات التركية على سنجار، وجبال قنديل في العراق، أدت إلى عودة التوتر بين البلدين، وتجلى ذلك في التصريحات، والتصريحات المضادة، وذلك بعد إتباع تركيا السياسة نفسها التي تبنتها في سورية من خلال توجيه تهديدات لبغداد في 21 آذار، بإمكان القيام بتنفيذ عملية ملاحقة مقاتلي حزب العمال الكردستاني في سنجار بشكل فردي في حال عدم تعاون حكومة العبادي معها، على نحو دفع بغداد إلى رفض هذا التوجه، معتبرة أن حجة تركيا في الحرب ضد تنظيم «داعش» انتهت بعد تحرير الموصل.

وهذا التوتر لم يكن هو الأول من نوعه بين البلدين، فقد دخلت العلاقة مناخ الشحن في العام 2016، ووصل الأمر إلى حد التراشق اللفظي بين رئيس الوزراء العراقي، والرئيس التركي، على خلفية دخول قوات تركية للأراضي العراقية وتمركزها في معسكر «بعشيقة» قبل بدء عملية تحرير الموصل التي انطلقت في تشرين الأول (أكتوبر) 2016 لتحرير المدينة من قبضة تنظيم الدولة الإسلامية «داعش»، فضلاً عن تمديد البرلمان التركي في الشهر ذاته مهمة قوات بلاده في العراق عاماً إضافياً.

وبرغم أن شمال العراق يتعرض بصورة متقطعة لعمليات قصف متكررة من قبل تركيا منذ تشرين الثاني (نوفمبر) 2007، تستهدف من ورائها عناصر الكردستاني إلا أن الغارات الراهنة تبدو مختلفة، وتحمل دلالات مغايرة:

أولها نفاد الصبر التركي من الدعم الأميركي للفصائل الكردية في المنطقة، وبخاصة حزب الاتحاد الديموقراطي وجناحه العسكري (وحدات حماية الشعب)، وأن تركيا قد لا تبالي بتحالفها الاستراتيجي مع واشنطن إذا وجدت أن أمنها بات في خطر. وثانيهما أن الغارات التركية على سنجار، وجبال قنديل تشكل رسالة مفادها أن أنقرة باتت أقوى بعد السيطرة على عفرين، وسيطرتها بحسب معلومات أولية على مدينة تل رفعت، ومطار منغ العسكري، بموجب تفاهمات بين مع موسكو.

خلف ما سبق، فإن الاستهداف التركي للأكراد في شمال العراق، يحمل رسالة مفادها أن تركيا ماضية في مواجهة صعود نفوذ حزب العمال الكردستاني في كردستان العراق، والتحرك لإخراجه من منطقة سنجار، والتي تشكل مع قنديل وكراتشوك السوريتين مثلثاً حيوياً تحت سيطرة الكردستاني. وفي هذا السياق تعمدت أنقرة الإشارة إلى إمكان شن عملية عسكرية مشتركة مع بغداد لمواجهة تمدد الكردستاني في سنجار، أو القيام بها بشكل منفرد، ما دفع حكومة العبادي للتنديد بهذا التوجه. أما الدلالة الرابعة، فإن الغارات التركية المتقطعة على سنجار تأتي قبل اجتماعات محتملة تجمع الرئيس التركي مع الرئيسين الروسي والإيراني، إذ تستهدف أنقرة إيصال رسالة تؤكد أنها باتت طرفاً فاعلاً في إدارة المشهد الإقليمي برمته.

في المقابل، فإن هذه الغارات تكشف استثمار تركيا توافقها من طهران لجهة تحجيم النفوذ الكردي ومحاصرة حلفاء واشنطن الأكراد جنباً إلى جنب استثمار الارتباك الحادث في الإدارة الأميركية التي شهدت سلسلة من التغيرات في مستويات قيادية عليا.

وبرغم تحسن محدود في العلاقة منذ زيارة رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم لبغداد في كانون الثاني (يناير) 2017 إلا أن الغارات التركية الأخيرة على مناطق شمال العراق، منها بلدة هاكورك كاني راش، وناحية سيدكان الحدودية وقضاء العمودية في محافظة دهوك، أدى إلى تراجع العلاقة.

وبرغم محاولة أنقرة طمأنة بغداد، وتأكيد السفير التركي لدى بغداد عد تفكير بلاده في هذا التوجه من التشاور مع حكومة العبادي، فضلاً عن تراجع الحكومة التركية عن تصريحاتها الأخيرة بشأن إطلاق عملية عسكرية لمطاردة عناصر حزب «العمال الكردستاني» في قضاء سنجار، ومهاتفة رئيس الوزراء التركي نظيره العراقي قبل أيام، إلا أن فرص التوتر تتصاعد، وكان بارزاً، هنا، نشر الجيش العراقي قوات تابعة له في مناطق بلدة سنجار فضلا ًعن رؤية قطاعات معتبرة في الداخل العراقي للنشاط التركي في شمال العراق باعتباره احتلال، ورغبة في استعادة إرث الدولة العثمانية.

والواقع أن توتر العلاقة قد ينعكس سلباً على عدد من الملفات المشتركة، في مقدمها الملف الاقتصادي، إذ يصل حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى ما يقرب من 12 بليون دولار، وجميعها لصالح تركيا، حيث إن العراق يمثل سوقاً أساسية للبضائع التركية. في هذا السياق، فإن فرص تراجع العلاقة تبقى هي الأرجح، لكنها لن تصل إلى حد القطيعة بفعل اعتبارات مهمة، من بينها رغبة تركيا في إعادة تصفير مشاكلها مع محيطها الإقليمي، بخاصة بعد التوتر الحادث مع دول الخليج على خلفية دعمها قطر، واستمرار توترها مع القاهرة. كما ترغب تركيا في تعزيز التعاون الأمني، ولاستخباراتي مع العراق لضبط الحدود التي تصل إلى ما يقرب من 311 كيلو متراً.

أيضاً تدرك أنقرة تراجع مركز إقليم كردستان حليف تركيا المهم، بعد فشل استفتاء استقلال الإقليم، وتباعد المسافة بين أربيل وأنقرة التي ناهضت طموحات التحول إلى دولة مستقلة. وتهيمن بغداد على مركزية القرار في كردستان العراق اليوم.

على صعيد متصل فإن العراق تمثل بوابة مهمة لجهة موازنة الدور الإيراني المتصاعد في المنطقة، وكبح جماح «الحشد الشيعي». وعلى الجانب العراقي تظل تركيا بوابة رئيسة لنقل النفط العراقي إلى أوروبا، كما تمثل تركيا سوقاً مهمة لتلبية الاحتياجات الاستهلاكية للعراق ناهيك عن حرص العراق على جذب الاستثمارات التركية لجهة إعادة إعماره.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى