مقالات

المشاهير والإنسانية المفاجئة

فاتح عبدالسلام

انجلينا‭ ‬جولي‭ ‬كانت‭ ‬تتفقد‭ ‬اللاجئين‭ ‬بنفسها‭ ‬في‭ ‬مخيماتهم‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬وسوريا‭ ‬والاردن‭ ‬والأطفال‭ ‬والنساء‭ ‬المذعورين‭ ‬من‭ ‬صدمة‭ ‬الحرب‭ ‬وبلائها‭ ‬في‭ ‬منازلهم‭ ‬المهدّمة‭ ‬في‭ ‬الموصل،‭ ‬وقامت‭ ‬وعيناها‭ ‬مليئتان‭ ‬بحزن‭ ‬عظيم،‭ ‬بالتبرع‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬ان‭ ‬تكون‭ ‬سوى‭ ‬صدى‭ ‬انسانيتها،‭ ‬ولم‭ ‬تتحرك‭ ‬تحت‭ ‬اغطية‭ ‬سياسية‭ ‬دولية،‭ ‬وهذه‭ ‬النجمة‭ ‬الامريكية‭ ‬حالة‭ ‬متميزة‭.‬في‭ ‬الجانب‭ ‬الآخر،‭ ‬نشهد‭ ‬منذ‭ ‬أيام‭ ‬مواقف‭ ‬مفاجئة‭ ‬لبعض‭ ‬المشاهير‭ ‬في‭ ‬الاندفاع‭ ‬للتبرع‭ ‬للاجئين‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا‭ ‬بالملايين،‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬انّ‭ ‬المآسي‭ ‬في‭ ‬بداياتها‭ ‬اللحظوية‭ ‬بالقياس‭ ‬الى‭ ‬طول‭ ‬زمن‭ ‬المآسي‭ ‬العربية‭ ‬المزمنة،‭ ‬وان‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الاوكراني‭ ‬ذاته‭ ‬لم‭ ‬يصل‭ ‬في‭ ‬ثلاثة‭ ‬أيام‭ ‬او‭ ‬أسبوع‭ ‬الى‭ ‬الانهيار‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يصيب‭ ‬شعوبا‭ ‬تتلقى‭ ‬السحق‭ ‬بالقصف‭ ‬في‭ ‬بلدان‭ ‬عربية،‭ ‬وان‭ ‬أوكرانيا‭ ‬تستطيع‭ ‬ان‭ ‬تمول‭ ‬لاجئيها‭ ‬لهذه‭ ‬الفترة‭ ‬القصيرة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تكاد‭ ‬تذكر‭ ‬في‭ ‬عمر‭ ‬عمليات‭ ‬التهجير‭ ‬والنزوح‭ ‬واللجوء‭ ‬الكبرى‭ ‬التي‭ ‬اجتاحت‭ ‬العراق‭ ‬وسوريا‭ ‬وليبيا‭ ‬واليمن‭ ‬وسواها‭ ‬في‭ ‬العقدين‭ ‬الأخيرين‭.‬اللافت‭ ‬في‭ ‬مواقف‭ ‬المشاهير‭ ‬مثل‭ ‬الروائية‭ ‬البريطانية‭ ‬المعروفة‭ ‬والمليونيرة‭ ‬الكبيرة‭ ‬جاي‭ ‬كي‭ ‬رولينغ‭ ‬بسبب‭ ‬مداخيل‭ ‬سلسلة‭ ‬روايات‭ ‬هاري‭ ‬بوتر‭ ‬وملحقاتها‭ ‬الاعلانية،‭ ‬التي‭ ‬تقود‭ ‬حملة‭ ‬تبرعات‭ ‬عبر‭ ‬جمعيتها‭ ‬متعهدة‭ ‬بدفع‭ ‬تبرع‭ ‬يعادل‭ ‬الحصيلة‭ ‬المتوقعة‭ ‬من‭ ‬التبرعات،‭ ‬لم‭ ‬تفكر‭ ‬يوما‭ ‬أن‭ ‬تنظر‭ ‬الى‭ ‬ذلك‭ ‬الجزء‭ ‬المظلم‭ ‬بالنكبات‭ ‬من‭ ‬العالم‭ ‬في‭ ‬الشرق،‭ ‬الذي‭ ‬كانت‭ ‬قنوات‭ ‬التلفاز‭ ‬العالمية‭ ‬تنقل‭ ‬مراراً‭ ‬مآسي‭ ‬اللاجئين‭ ‬هناك‭ ‬لاسيما‭ ‬الأطفال‭. ‬ومن‭ ‬الصعب‭ ‬ان‭ ‬نفصل‭ ‬هذه‭ ‬المواقف‭ ‬الإنسانية‭ ‬المفاجئة‭ ‬عن‭ ‬تصريحات‭ ‬عنصرية‭ ‬جاءت‭ ‬في‭ ‬لحظات‭ ‬صراحة‭ ‬مع‭ ‬الذات،‭ ‬لكن‭ ‬سجّلتها‭ ‬الكاميرات،‭ ‬في‭ ‬التمييز‭ ‬المقارن‭ ‬بين‭ ‬نوعين‭ ‬من‭ ‬اللاجئين،‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬انَّ‭ ‬بعضهم‭ ‬كانت‭ ‬تنزل‭ ‬على‭ ‬رؤوسه‭ ‬نفس‭ ‬القنابل‭ ‬الروسية،‭ ‬فيما‭ ‬حين‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬نال‭ ‬العراقيون‭ ‬في‭ ‬خلال‭ ‬حربين‭ ‬خاضتها‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬ضد‭ ‬بلادهم‭ ‬امتياز‭ ‬الموت‭ ‬بقنابل‭ ‬أمريكية‭.‬اللاجئون‭ ‬سواسية،‭ ‬منكوبون‭ ‬في‭ ‬أيّ‭ ‬مكان‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬لأنهم‭ ‬تركوا‭ ‬منازلهم،‭ ‬بل‭ ‬تاريخهم‭ ‬الشخصي‭ ‬والوطني‭ ‬ولُعب‭ ‬أطفالهم‭ ‬الممزقة‭ ‬بالقنابل‭ ‬خلفهم،‭ ‬وهربوا‭ ‬خائفين‭ ‬من‭ ‬شتى‭ ‬أنواع‭ ‬المخاطر‭ ‬المحدقة‭ ‬بهم،‭ ‬ولا‭ ‬يجوز‭ ‬التفرقة‭ ‬بين‭ ‬لاجئ‭ ‬أوكراني‭ ‬وآخر‭ ‬سوري‭ ‬أو‭ ‬عراقي‭ ‬او‭ ‬يمني،‭ ‬جميعهم‭ ‬أصحاب‭ ‬بلاء،‭ ‬لكن‭ ‬ينبغي‭ ‬رصد‭ ‬التفرقة‭ ‬في‭ ‬النظر‭ ‬الآخرين‭ ‬اليهم‭ ‬من‭ ‬خارج‭ ‬المشهد‭ ‬،‭ ‬وخاصة‭ ‬لدى‭ ‬المشاهير‭ ‬الذين‭ ‬يغمضون‭ ‬عيونهم‭ ‬تجاه‭ ‬مصائب‭ ‬ويفتحون‭ ‬نحو‭ ‬أخرى‭ .‬ليس‭ ‬جميع‭ ‬المشاهير‭ ‬يمتلكون‭ ‬الوعي‭ ‬ذاته‭ ‬الذي‭ ‬يرتقي‭ ‬بإنسانيتهم‭ ‬الى‭ ‬مدار‭ ‬الشمس‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تنطفئ‭.‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى