مقالات

ثمة فارق كبير بين نقد خلاّق و بين قدح هداّم

مهدي قاسم

ليس فقط ينبغي التعامل مع النقد الموضوعي البنّاء في حقول الإبداع الأدبي والفني ــ عموما ، برحابة صدر و إيجابية مررنة ، إنما يجب اعتبار هذا النوع من النقد الخلاّق ضروريا في عملية نضج وتكامل العمل الإبداعي وقيمته الجمالية الرفيعة ، ولا سيما ذاك النقد الذي يقوم بإبراز أو تسليط الإضاءة والكشوفات النقدية على جمالية عمل إبداعي ما ، والارتقاء به عاليا أمام المتلقي الجدي و الحريص ــ أي القارئ الذي يساهم هو أيضا بقراءته البديعة في إثراء العمل الإبداعي ــ كذلك في الوقت نفسه القيام بأهمية و ضرورة الإشارة النقدية الجريئة إلى عناصر الضعف الفني التي قد لا تخلو من أي عمل إبداعي كان ، حتى لو بدا للوهلة الأولى متقنا بشكل متماسك و بارع ..من هنا يتحتم على أي قاص ــ كاتب روائي ــ أو شاعر ، الذي يطمح حقا و بشكل جدي إلى تطوير وتجديد أدواته التعبيرية أن يتقبل هذا النمط الجيد والقّيم من النقد الخلاّق ، إذ لولاه فإنه سيبقى يراوح في مكانه ــ مثل نبتة لا تنمو ولا تزدهر لتكون أكثر نضارة وجمالا / ثم ليُذبل ويموت خيرا ــ أي دون أن يقدم شيئا جديدا في مسار عمله الأدبي أو الفني ..على الأقل ، أنا هكذا تعاملت ، بل و اتعامل مع النقد الموضوعي والخلاّق الذي تناول مجموعاتي الشعرية الصادرة أو قصصي القصيرة المنشورة هنا وهناك ..حتى يمكنني القول أنني قد استفدتُ كثيرا من ذلك النقد الذي لفت نظري إلى أمور وجوانب فنية من هنات لم اكن قد افطنتُ إليها سابقا .

ولكن إزاء أو مقابل هذا النقد الموضوعي الخلاّق والضروري ، نجد أحيانا ما يبدو ” نقدا ” في ظاهره ولكنه قدح ــ أصلا ــ في حقيقة الأمر، والذي عادة ما يكون مصحوبا بدوافع مبيتة و نوايا سيئة وهي النزعة التي لا تبغي ولا تروم ـ أصلا ــ أي نقد موضوعي بناء لتطوير الحركة الثقافية الإبداعية إنما السعي الحثيث والشرس للشخصنة ، ولتحقيق هوس التنكيل و هلوسة التسقيط بخصوم وهميين أولا ، و ثانيا بدافع استدراجهم إلى قارعة طريق بهدف قذفهم و رشقهم بأوحال قذرة ..و أخيرا و ضمن هذا المضمار نفسه أو قريبا منه ، نجد أنه من الازدواجية المضحكة جدا أن ينبري أحدهم إلى وصف الآخرين ب” الشمولية ” بينما هو نفسه بالضبط يتصرف مثل قوميسار ثقافي ستاليني ، ملقنا الآخرين عن ماذا يكتبون وعن ماذا لا يكتبون و.!، بالأحرى يلقن الآخرين على نحو: ( كما في حكاية لاحد هؤلاء عن كناس يخوض صراعاً مع شخص لا يرمى النفايات في الحاويات كما لو ان هذا كل ما التقطه من قضايا العالم ) ؟!!..ليتضح من سياق هذه الفقرات ــ المقوسة ــ إن هذا الشبيه ــ مثلما أسلفنا ــ بأي قوميسار ثقافي ستاليني يُعد الكتابة عن كناس الشوارع موضوعا تافها ، إنما ” يجب و ينبغي على الآخرين أن يكتبوا عن مواضيع يحددها هو مسبقا للآخرين طبعا ، وفقا لعقليته العبقرية الفذة وضمن رؤيته الإبداعية الفريدة، حتى ينالوا استحسانه و قبوله المباركين !..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى