منوعات

جزيرة بالكاريبي محرومة من التباعد الاجتماعي.. ما السبب؟

يبدو من المستحيل عملياً في جزيرة صغيرة من البحر الكاريبي تقع قبالة كولومبيا، تطبيق تدابير التباعد الجسدي التي تقتضيها مواجهة فيروس كورونا المستجد، إذ تُعتَبَر هذه الجزيرة من الأكثر اكتظاظاً في العالم، مع كثافة سكانية تبلغ 500 نسمة في الهكتار الواحد.

وقال أدريان كارابايو (22 عاماً)، وهو دليل سياحي “نحن معزولون وبعيدون من الفيروس، ولكن لا شكّ في أننا خائفون من أن يأتي إلى الجزيرة شخص يحمل الفيروس، وينقل إلينا العدوى، فنموت جميعاً”.

وتفوق الكثافة السكانية في سانتا كروز دل إيسلوتي الكثافة السكانية في حي مانهاتن في مدينة نيويورك الأميركية، حيث يعيش 268 شخصاً في 0,01 كيلومتر مربّع، وفقا لما أوردته وكالة الأنباء الفرنسية.

وتعاني هذه الجزيرة منذ عقود نقصاً في مياه الشفة وانقطاعات متكررة للتيار الكهربائي، فضلاً عن أنها تفتقر إلى الأطباء، لكنّ سكانها يواجهون هذه المشكلات بالابتكار والتضامن، لكنّ فيروس كورونا المستجد يشكل تهديداً للجزيرة المعروفة أكثر باسمها المختصر إل إيسلوتي (الجزيرة الصغيرة)، فالإصابات في كولومبيا تجاوزت المئة ألف من السكان البالغ عددهم 50 مليوناً، في حين وصل عدد الوفيات إلى 3400.

IMG 20200703 051930 909 1

وعلى بعد ساعتين بالمركب من الجزيرة، تقع مدينة كارتاخينا التي تشكل مركزاً سياحياً مهماً، وهي تعاني راهناً أكبر نسبة من الإصابات بفيروس كورونا في كولومبيا.

وتفادياً لانتقال كوفيد-19 إلى الجزيرة، اعتمد مسؤولوها بروتوكولاً للحجر ينبغي على كل شخص يغادر الجزيرة ويعود إليها أن يلتزمه.

مدينة صفيح من دون مدينة وعملاً بهذا البروتوكول، فإن أدريان، الذي قصد “البرّ الرئيسي” لموعد طبي، التزم بالحجر الصحي الذاتي لمدة 14 يوماً في جزيرة تينتينبان المجاورة، وهي أكبر مساحة بقليل من إل إيسلوتي.

ويحيط البحر، بمختلف تموجاته اللونية الزرقاء والخضراء، بالجزيرة التي تشكّل كومة من الأكواخ المتداخلة من دون شاطئ.

في وسط الجزيرة، تقع ساحة الصليب، وحولها الأكواخ ورصيفان ومدرسة واحدة، ولاحظت عالمة الأنثروبولوجيا أندريا ليفا أن “الجائحة كشفت وجود مشكلات هيكلية قديمة”.

وأبدت ليفا اهتماماً برصد “الحلول التي سيجدها سكان الجزيرة بأنفسهم”، إذ اعتبرت أن “من المستحيل ضبط تطبيق التباعد الجسدي في جزيرة مكتظة سكانياً، وهو أمر سخيف تقريباً”.

ومع أن أي فحوص لم تُجرَ، يؤكد السكان أنهم في منأى عن فيروس كورونا المستجد، ولا يضع سكان الجزيرة كمامات على وجوهم، ولم تفرض أي قيود، بل يلعب الأولاد بحرّية، فيما يعقد البالغون جلسات يتبادلون فيها الأحاديث أو يتنافسون في لعبة الدومينو.وعلّق أدريان قائلاً “يمكن نوعاً ما القول إننا نشعر بأننا في الجزيرة محميون”.

من السياحة إلى الصيد ترك ألكسندر أتينسيو تلاميذه في مطلع آذار/مارس الفائت عندما سجلت أول حالة إصابة بفيروس كورونا في كولومبيا، والتزم حجراً ذاتياً في بلدة تولو الساحلية، على بعد حوالي ساعة بالقارب السريع من الجزيرة.وقررت الحكومة اعتماد التعليم مِن بُعد لاستكمال السنة الدراسية، لكنّ إل إيسلوتي “غير مهيأة لتعليم افتراضي بنسبة مئة في المئة”، على ما شرح أتينسيو.

ويتلقى تلاميذ الجزيرة فروضاً وواجبات مدرسية ينبغي أن يحلّوها ويرسلوا بالقارب إلى معلّميهم، لكي يضعوا لهم العلامات التقويمية.ولا يشكّل الحجر أمراً جديداً لسكان الجزيرة “إذ لطالما كانوا معزولين”، بحسب المدرّس أتينسيو، ولا هو جديد أيضاً “الإهمال وغياب السياسات الحكومية” في شأن الجزيرة الصغيرة.

IMG 20200703 051932 951

وتعوّل إل إيسلوتي بصورة أساسية على السياحة، أحد القطاعات الأكثر تضرراً جرّاء جائحة كوفيد-19.

فالفنادق والمطاعم والحانات في الجزر المجاورة أقفلت أبوابها وتوقفت عن العمل.

وأشارت عالمة الأنثروبولوجيا ليفا إلى أن البطالة أدّت إلى تراجع السيولة وشلّ الاقتصاد.

ودفع ذلك سكان الجزيرة للجوء إلى الصيد “لتأمين ما يحتاجونه لاستهلاكهم الخاص، لكنّ ذلك لا يكفي”، بحسب هذه الباحثة التي اختارت إل إيسلوتي موضوعاً لأطروحتها الجامعية.

وجمّد أدريان نشاطه كدليل سياحي، ولن يحصل هذه السنة على شهادة الثانوية العامة، لكنه يأمل في أن يعاود تحقيق مشاريعه “عندما تتحسن الأوضاع”.

فقر وابتكارأما جليزي باربوسا، وهي طالبة تتابع دراستها في كارتاخينا، فعادت إلى الجزيرة لتقيم مع أهلها عند إعلان حالة الطوارئ الصحية.

وقالت باربوسا (20 عاماً) “نظراً إلى صعوبة الوضع الاقتصادي، لم تكن والدتي تملك مالاً لترسله إليّ، فطلبت مني العودة.

ففي الجزيرة نحن متحدون، والجار يتقاسم ما يملك مع جاره”.

وأكدت الباحثة ليفا “رغم الخلافات الداخلية الطبيعية ، إنه مجتمع قائم على المفهوم الجماعي”، و”هذا النسيج الاجتماعي يساعد سكان الجزيرة على مواجهة الجائحة بشكل أفضل مما تفعل المدن القائمة أكثر على الفردية”.

ومن هذا المنطلق، يدفع القادرون رسوم التيار الكهرباء لكي يحصل عليه الجميع ليلاً. وأشار أدريان الذي يتحرق شوقاً للعودة إلى إل إيسلوتا بعد انتهاء فترة حجره “لا أتخلى أبداً عن هذه الجزيرة”.

الاولى نيوز-متابعة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى