مقالات

صابونة الحمام

د. جليل وادي

يشبهه البعض بــ (صابونة الحمام)، لصعوبة مسكه، لا تعرف صدقه من كذبه، بهلوان بابتسامة عريضة، له القدرة على التغلغل تحت ابط المتنفذين، ويعرف كيف يمسح أكتاف أصحاب رؤوس الأموال، لا تحرك مشاعره أقسى المواقف، ولا يستحي من العتب، ناعم (كخيط البريسم) عندما تكون له حاجة عندك، ولن تقبض من وعوده شيئا عند حاجتك له، تركه الجميع ليأسهم من صحبته، او ان يكون رصيدا مضمونا في المواقف.

وفي يوم معلوم صار (صابونة الحمام) مديرا عاما، وليس في أي مؤسسة، بل في أثرى المؤسسات، ولن أستمر في الوصف، فمخالبه حادة جدا، ويمكن أن تنال من الذين يقفون في طريقه مع ابتسامة عريضة تغطي محياه.

بعد الاحتلال بسنة كنت مديرا لتحرير واحدة من الصحف التي حظيت باحترام النخبة بين مئات الصحف التي صدرت لتعكس (الغد المشرق) الذي وعدنا به (المتنورون) الذين خبروا تجارب الديمقراطية وحقوق الانسان الاوربية في مدن الضباب والأضواء والعطور، حتى قلنا بالسر والعلن ان القادم (گمرة وربيع) كما يقول مثلنا، وقد رأيتم الذي حصل ولا داعي للحديث عنه وتكرار الكلام فيه، في هذه الصحيفة التي اختير لملاكها خيرة كفاءات الداخل، طلب مني رئيس التحرير أن اضيف أحدهم لهذا الملاك، فاذا به لا يملك من مؤهلات العمل الاعلامي شيئا، أخبرت رئيس التحرير بهذه المصيبة، فطلب مني تكليفه بأي مهمة، معللا ذلك بصعوبة الاعتذار من سياسيين مهمين كلفوه بتعينه، فهو زميلهم أيام المعارضة، هززت رأسي وعدت أدراجي، فلم أرغب بإحراج مسؤولي في العمل مع سياسيين كانوا وقتها منشغلين بكتابة قانون ادارة الدولة، وحسنة ذاك الشخص انه يتمتع بمظهر لافت، بدلة ايطالية وربطة براقة وعطر باريسي، فوجدت من المناسب اتخاذه ديكورا في أحد الاقسام، لكن صاحبنا لم يبق طويلا معنا، فسرعان ما صدر أمر تعينه مدير مكتب لمؤسسة اعلامية مهمة في واحدة من أهم العواصم الأوربية، لا تستغربوا، في الواقع حكايات أغرب من الخيال كما قال الكاتب.

ما زالت لم أكمل الحكاية، وسأختمها بذاك الطالب الخلوق جدا الذي درسته في الجامعة ابان سنوات النظام السابق، لكنه غبيا، تعيد عليه الدرس أكثر من مرة ولا جدوى، فاستغرب الجميع من كيفية وصوله للجامعة، واضطرت عمادة الكلية بعد أن تضاعفت سنوات رسوبه الى ترقين قيده، الا ان أطرافا متنفذة في ذلك الوقت توسطت لديها ليمر بطريقة او بأخرى، على كل حال تخرج طالبنا، الا ان صورته ظلت ماثلة في الأذهان، وما عزز رسوخ صورته، تعيينه سفيرا في دولة اوربية في اطار نظام المحاصصة التي تعرفون، وعندما انتهت مهام عمله، نُقل لسفارة اوربية اخرى.لكل ذلك لا داعي للسؤال عن كيف وصل بنا الحال الى عجز الحكومة عن صرف رواتب الموظفين، وان الدولة على حافة الافلاس، وما ينتظرنا مخيف ومجهول ان لم يتداركه الحكماء.بالتأكيد لا يمكن التعميم بالمطلق، فمن بين الماسكين للمؤسسات كفاءات جيدة، لكن ليس بمقدورهم كسر طوق منظومة فاسدة تمكنت من بسط سطوتها على جميع المفاصل، وهناك الكثير من العقول النيرة خارج مؤسسات الدولة تحول من دون وصولها للمواقع المناسبة قيود سياسية ومصالح ضيقة لجهات عليا واعتبارات متخلفة ذات بعد طائفي او قومي وغيرها، ليس هذا وحسب، بل توجد في المؤسسات نفسها كفاءات كبيرة لم تتمكن جهات صنع القرار فيها من استثمارها وتفجير طاقاتها، لأن تعبيد الطرق أمامها واستثمارها يقلقها، ويثير تحسبها من احتمال أن يشغل الأكفاء مكانها لهذا ظلت البلاد تراوح في مكانها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى