مقالات

عندما يصبح العجز سمة

عندما يصبح العجز سمة – طالب سعدون

هل إنتهت الازمة المالية باطلاق رواتب شهر ايلول .. ؟ .. – بالتأكيد الجواب ليس بالايجاب ..كلام كثير ، وقلق كبير ، وحراك مالي ، وسجال ، طويل عريض أثير في الايام الماضية حول تأخرصرف الرواتب ونية الحكومة الاقتراض لتأمينها وتحذيرات تقرع الاجراس لتنبه المعنيين من خطر الافلاس اذا ما استمر العجز المالي في تصاعد والديون في تزايد..الازمة المالية عموما مبعث خوف حقيقي لدى الناس جميعا ، وليس لشريحة الموظفين والمتقاعدين فقط ، لانها تمس حياتهم مباشرة ، وتبدو واضحة في البلاد ولا تحتاج الى (تنظير منظرين وتفكير مفكرين وتحليل محللين) لمعرفة مستوى الوضع الاقتصادي ، والى أين يسير ، وأين سيستقر في النهاية اذا ما تفاقمت أكثر..ليس في الأمر مفاجآة ، فقد ظهرت ملامح القلق من عدم قدرة الحكومة على دفع الرواتب منذ أشهر في تصريحات وأحاديث علنية لسياسيين وبرلمانيين ورسميين ومراقبين ، وذهبت التوقعات الى أن ما لدى الحكومة يكفي لسداد الرواتب لغاية ايلول ، فيما ذهبت توقعات أخرى أبعد الى نهاية السنة الحالية وهذا ما لم يتحقق فقد عاجلهم العجز ووضع الجميع في حيرة من أمرهم ولم يكن أمامهم غير هذا الطريق ..العجز عن توفير الرواتب حالة متوقعة في بلد أصبحت سمته العجز .. عجز في السياسة .. عجز في الموازنة .. عجز في الامن .. عجز في الخدمات .. عجز في ضمائر لم تقاوم بريق المال وإغراء السلطة فسقطت في مستنقع الفساد … وعجز وعجز عجز .. وقائمة العجز تطول ..الاقتراض مسألة طبيعية في العالم ، بما في ذلك دوله المتقدمة لكن هناك فرق بين اقتراض وأخر ..اقتراض لتحريك عجلة الاستثمار والبناء أو مساعدة الاقتصاد ليعبر أزمة طارئة كما حصل في امريكا بعد كورونا باقتراضها ( 2999) مليار دولا ر من خلال سندات خزينة لانعاش الاقتصاد في القطاعات المتضررة من هذا الوباء ، أو الاقتراض من أجل جلب أموال للبلاد لاستثمارها في الاقتصاد وزيادة الناتج المحلي .. فاليابان مثلا وهي من بين أعلى اقتصاديات العالم بعد امريكا والصين وفيها شركات تشكل امبراطوريات اقتصادية عملاقة تعد الاعلى مديوية في العالم دون أن يشكل ثقلا عليها لانها تقترض من اجل دفع الاقتصاد الى أمام أكثر وزيادة الناتج المحلي …دول وشركات كثيرة تقترض لتمويل مشاريع اقتصادية في مجالات مختلفة أو لتجاوز ازمة ، سكنية مثلا أو توسيع مشاريع قائمة .. والامثلة كبيرةإذا كان الاقتراض طبيعيا و يذهب الى زيادة امكانات البلد الاقتصادية والمالية فهو ضرورة وإنجاز يحسب للحكومة ، لكن غير الطبيعي أن تقترض الحكومة لتسد العجزعن دفع الرواتب وهي استحقاق قانوني له مساس مباشر بتفاصيل الحياة الشخصية والعامة والسوق المحلية ..يعزو الاقتصاديون والمتخصصون العجز ومن ثم الافلاس وتبعاته المالية والاقتصادية والاجتماعية الى اسباب في مقدمتها سوء الادارة والسياسات الاقتصادية والفساد المالي وغياب الرقابة الحقيقية والتخطيط .. خبراء ومنظمات مخصصة توقعت هذا العجز في العراق بسبب إعتماده على النفط وربط موازناته باسعاره المتذبذبة وفشل الادارة والفساد في بناء مشاريع لها دورها في التنمية والتطور وبالتالي تحولت الحكومة الى ( أمين صندوق ) مهمته توزيع واردات النفط التي تذهب أغلبها للموازنات التشغيلية واستسهلت الحكومات هذا الطريق ولم تعتمد التنوع في الموارد من مصادر اخرى عديدة وما اكثرها .. أي ان الادارة لم تستثمر النفط لتعظيم الثروة وزيادة الناتج المحلي الذي يُعد من أهم المؤشرات لقوة اقتصاد الدولة ، واصبحت المؤسسات بما في ذلك الانتاجية عبئا على النفط وعالة عليه ، بدلا من أن تأخذ مساهمتها في الناتج المحلي ويكون لها دورها في سد حاجة الشعب من السلع والخدمات المختلفة .. القروض إجراء مؤقت لعبور أزمة معينة ، وليست حلا لبناء البلاد قطعا ، واذا ما كانت هي الخيار الوحيد فيجب ان تكون لهدف اقتصادي وتعظيم الموارد من خلال بناء مشارع جديدة او تفعيل قائمة ..ان استمرار سياسة الاقتراض سيؤدي الى انهيار الاقتصاد وترهن ثرورة البلاد بيد الدائنين ..باختصار تراكم العجز والفشل يؤدي الى تدهور الوضع الاقتصادي والانحدار ثم الاستقرار في ( بركة ) الافلاس … وهناك تجارب كثيرة لدول افلست .. توقفت فيها الحياة.. لم تعد قادرة ، ليس على صرف الرواتب فقط ، بل على عموم الحياة وسيصعب على المواطن الحصول على خدمة تناسب الحياة الطبيعية ومتطلباتها الاساسية من ماء وكهرباء وامن ناهيك عن اللقمة الهنيئة …وبلد سمته العجز يتطلب ادارة وارادة للتغييرنحو الافضل ..تجارب كثيرة في العالم كانت رائدة في تغيير بلدانها والاخذ بها في طريق التطور والنهوض منها النمور الاسيوية على سبيل المثال فكانت تجارب غنية في هزيمة العجز والتخلف والفقر ، وتكون ضمن الاقتصاديات الكبيرة في العالم ، فاستحقت هذا التميز ..تلك هي قيمة الادارة الناجحة ونظافة اليد والضمير وسمو الهدف وهو بناء الوطن من خلال بناء الانسان ..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى