مقالات

في‭ ‬العصبية‭ ‬القبلية

د. نزار محمود

بعيداً‭ ‬عن‭ ‬الحكم‭ ‬في‭ ‬صدق‭ ‬الحديث‭ ‬أو‭ ‬نفاقه،‭ ‬فإننا‭ ‬لا‭ ‬نسمع‭ ‬من‭ ‬جميع‭ ‬الأطراف‭ ‬السياسية‭ ‬والثقافية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬غير‭ ‬السلبية‭ ‬عن‭ ‬العصبية‭ ‬القبلية،‭ ‬ذلك‭ ‬التعصب‭ ‬الأعمى‭ ‬الذي‭ ‬يدفع‭ ‬بصاحبه‭ ‬الى‭ ‬تصرفات‭ ‬ومواقف‭ ‬وآراء‭ ‬لا‭ ‬تمت‭ ‬للحقيقة‭ ‬وللواقع‭ ‬بصلة‭.‬بيد‭ ‬أن‭ ‬جميع‭ ‬تلك‭ ‬الأطراف‭ ‬السياسية‭ ‬لا‭ ‬تمارس،‭ ‬في‭ ‬واقع‭ ‬الحال،‭ ‬غير‭ ‬العصبية‭ ‬القبلية‭ ‬في‭ ‬تنظيراتها‭ ‬وتفسيراتها‭ ‬وسياساتها‭ ‬مبررة‭ ‬ذلك‭ ‬باختلاف‭ ‬منطلقاتها‭ ‬الفكرية‭ ‬وأهدافها‭ ‬السياسية‭.‬لقد‭ ‬تعرفت‭ ‬وعاشرت‭ ‬وشاركت‭ ‬أطرافاً‭ ‬سياسية‭ ‬متنوعة،‭ ‬واستمعت‭ ‬الى‭ ‬آرائهم‭ ‬وعشت‭ ‬مواقفهم‭ ‬وردود‭ ‬افعالهم،‭ ‬واستطيع‭ ‬الجزم‭ ‬انها‭ ‬لم‭ ‬تخرج‭ ‬عن‭ ‬عصبية‭ ‬قبلية‭ ‬تؤججها‭ ‬الدوافع‭ ‬الشخصية‭ ‬البحتة‭ ‬لقادة‭ ‬ومتنفذي‭ ‬تلك‭ ‬الأحزاب‭.‬صحيح‭ ‬أن‭ ‬لكل‭ ‬حزب‭ ‬سياسي‭ ‬رؤيته‭ ‬في‭ ‬تفسير‭ ‬مجريات‭ ‬الحياة‭ ‬واهدافه‭ ‬التي‭ ‬ينادي‭ ‬بها‭ ‬ويعمل‭/ ‬أو‭ ‬يدعي‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬تحقيقها،‭ ‬الا‭ ‬ان‭ ‬كل‭ ‬حزب‭ ‬وهو‭ ‬يدخل‭ ‬في‭ ‬حوار‭ ‬أو‭ ‬نقاش‭ ‬مع‭ ‬الآخر‭ ‬لا‭ ‬يعمل‭ ‬الا‭ ‬على‭ ‬تسويق‭ ‬افكاره‭ ‬ومحاولة‭ ‬اثبات‭ ‬صحة‭ ‬نهجها‭ ‬وبالتالي‭ ‬يبرر‭ ‬سعيه‭ ‬للسلطة‭. ‬انهم‭ ‬مضايف‭ ‬بدو‭ ‬ودواوين‭ ‬شيوخ‭!!‬ان‭ ‬هذه‭ ‬الثقافة‭ ‬السياسية‭ ‬التطاحنية‭ ‬والتي‭ ‬تجعلنا‭ ‬كمن‭ ‬يتصارع‭ ‬في‭ ‬مستنقعات‭ ‬آسنة‭ ‬ويغوص‭ ‬في‭ ‬رمال‭ ‬متحركة‭ ‬سوف‭ ‬لن‭ ‬تقود‭ ‬الا‭ ‬الى‭ ‬التباغض‭ ‬والكراهية‭ ‬والأحقاد‭ ‬والثارات،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬عشناه‭ ‬ونعيشه‭ ‬وسنبقى‭ ‬ندفع‭ ‬ثمنه‭.‬المشكلة‭ ‬والمصيبة‭ ‬هي‭ ‬الايمان‭ ‬الأعمى‭ ‬لكل‭ ‬حزب‭ ‬بالصحة‭ ‬المطلقة‭ ‬لأفكاره‭ ‬واهدافه‭ ‬ونهجه،‭ ‬وقد‭ ‬بنى‭ ‬له‭ ‬ملفاً‭ ‬سياسياً‭ ‬مترابطاً‭ ‬لتلك‭ ‬الافكار‭ ‬والأهداف‭ ‬والتكتيكات‭ ‬يصعب‭ ‬معها‭ ‬المرونة‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬الآخر،‭ ‬لا‭ ‬بل‭ ‬وحتى‭ ‬الاستعداد‭ ‬لسماع‭ ‬آرائه،‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬التعاون‭ ‬معه‭.‬ان‭ ‬هذه‭ ‬الأنماط‭ ‬من‭ ‬التكتلات‭ ‬السياسية‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬عملية‭ ‬في‭ ‬واقع‭ ‬اليوم‭ ‬عديد‭ ‬الألوان‭ ‬والميول‭ ‬والأمزجة‭ ‬والمصالح‭ ‬والأفكار‭. ‬وهذا‭ ‬يعني‭ ‬أننا‭ ‬السياسيون‭ ‬العراقيون‭ ‬بحاجة‭ ‬الى‭ ‬إعادة‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬صنمياتنا‭ ‬السياسية‭ ‬قومية‭ ‬كانت‭ ‬أو‭ ‬طبقية‭ ‬أو‭ ‬دينية‭ ‬أو‭ ‬مذهبية،‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬نجحنا‭ ‬في‭ ‬تجاوز‭ ‬عصبياتنا‭ ‬القبلية‭ ‬في‭ ‬نهجنا‭ ‬وخطونا‭ ‬على‭ ‬طريق‭ ‬التلاقي‭ ‬والتعاون‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬يتسارع‭ ‬في‭ ‬تغيراته‭.‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى