مقالات

من يحكم في بغداد؟؟

مازن صاحب

يعد كتاب( من يحكم في تل أبيب؟؟ ) احد ابرز الكتب المهمة لاستاذنا الدكتور حامد ربيع رحمه الله…مصدر الأهمية في المنهج التحليلي بتشريح النظام الإسرائيلي عموديا وافقيا .

بين حين واخر تاخذني تطورات الاحداث في عراق الامس واليوم الى إيجاد مقارنات تحليلية بذات منهج هذا الكتاب للإجابة على سؤال : ( من يحكم في بغداد ؟؟) وهناك محاولات جادة لإعداد هذه الاجابة في مشروع كتاب ان شاءالله .اعتقد في نموذج التحليل العمودي لنظام برلماني وتصارع على المناصب وفق نسبة التمثيل ..ادت الى تأخير تشكيل الحكومات الإسرائيلية كما هو حال الحكومات العراقية ..الاختلاف الجوهري ان عقلية الصهاينة حصرت الصراع السياسي داخل قبة الكنيست( البرلمان) ولم تسحبه للوظيفة العامة بما في ذلك منصب الوزير عندما طبق نظام الوزير التنفيذي والوزير السياسي..ابسط مثال على ذلك ان ديفيد كيمحي يعد اقدم وزير تنفيذي للخارجية على الرغم من تناوب الكثير من الزعامات السياسية الإسرائيلية على منصب وزير الخارجية.

النموذج الثاني ان الامن الإسرائيلي يتقدم على علاقات الصداقة وحمل جنسية اي دولة وهناك قضية معروفة عن الجاسوس الإسرائيلي في احد معاهد التنقيات المتقدمة ( جوناثان بولارد) الذي حكم في أمريكا بتهمة التجسس لصالح وطنه الام ..إسرائيل. اما في التحليل الأفقي ..فإن هيكل القوى الدينية التي تعتمد عليها فكرة وجود هذا الكيان بكونه أرض المعياد المزعوم.. تتنافى بالمطلق مع نموذج علاقات احزاب الاسلام السياسي بمفهومي البيعة والتقليد عراقيا ..لان الاغلبية من الاحزاب الصهيونية تستمد مشروعية وجودها الفاعل والمؤثر من أصول دينية تنحصر في الكيان السياسي لدولة إسرائيل المزعومة . عكس التفسير السياسي للأحزاب الإسلامية التي تقدم مصالح مرجعياتها الدينية في دول اخرى على مصلحة العراق .افقيا ايضا .. هناك تجديد في ابتكار سياسات لادامة زخم الاستيطان ومنح المستوطنين معايير ابتكارية من خلال تخصيص اعلى موازنة للبحث العلمي لاسيما الاكاديمي..مما جعل صناعة المعرفة احد ابرز البضائع التي تجيد إسرائيل تصديرها ولا مقارنة بالمطلق بين واقع الحال في العراق وايضا في عدة دول عربية مع استهلاك المعرفة بدلا من تصديرها ..فجميع أجهزة الذكاء الصناعي تستهلك عراقيا فيما تنتج إسرائيل ابتكارات علمية يوميا .اكرر السؤال من يحكم في بغداد ؟؟ الاجابة وفق منهجية المرحوم الدكتور حامد ربيع تجعل من الممكن القول :

اولا : هناك تخادم بين اصحاب المصلحة الحزبية ذات الاجندات المتعارضة لركوب سفينة التحالفات الانتخابية..فيما تتحول الخلافات ما بعد اعلان النتائج الى تضارب مصالح استراتيجية تفقد بوصلة المصلحة الوطنية العراقية في تعريف العدو والصديق ..فلا توجد خطوط حمراء غير تلك التي تمس مصالح اللجان الاقتصادية لاحزابهم وعدد الحقائب الوزارية ( ام الخبزة ) بدلا من مصالح المواطن الناخب .

ثانيا : هناك اكثر من مؤثر عراقي على صناعة واتخاذ القرار ..داخل وخارج المنظومة الدستورية.. ابرزها مرجعيات دينية وعشائرية وارتباطات إقليمية ودولية… افقدت متخذ القرار امكانية التفكير الايجابي الابتكاري..فهناك الالاف من الاطروحات الجامعية التي تضم شهادات ابتكار ومصفوفات حلول لمعضلات الواقع السياسي والاقتصادي والمجتمعي..الا ان تسويق منتجات هذه الابتكارات تسقط في طغيان مفاسد وتفشل في توليد معايير الحوكمة والحكم الرشيد والمواطنة الفاعلة. لذلك تبادل المنفعة بين المواطن الناخب والمنفعة العامة للدولة العراقية تسقط في امتحان تسويق مثل هذه الابتكارات او مصفوفة الحلول الفضلى المطلوبة.

ثالثا : في وقت نجحت فيها المرجعيات الدينية الإسرائيلية في تفعيل علاقة إيجابية بين المواطن والحكومات المتعاقبة على الرغم من جميع المشاكل الاقتصادية التي مرت بها ..في المقابل وعلى الرغم من تشابه دور مرجعيات الاسلام السياسي بمفهومي البيعة والتقليد الا ان عدم الولاء لمصلحة عراق واحد وطن الجميع واستبدالها باجندات (الولاء والبراء).. ادت الى فشل كبير افقيا لتجسير العلاقة بين المواطن وذات الاحزاب المتصدية لسلطان الحكم وتحولت الى علاقة مصلحة انتهازية تنحصر في مكاسب الوظيفة العامة عبر اللجان الاقتصادية لاحزابهم.

رابعا : على الرغم من كل ذلك . لا يبدو اية احزاب قابضة على الهدف في ادارة الدولة لمصلحتها اكثر من الاحزاب الكردية التي تعمل على الانفصال كحق مثله مثل ما يطلق عليه بحق إسرائيل في الوجود .. في المقابل لم تنجح احزاب الاسلام السياسي في إيجاد (معادلة صفرية) للتعامل مع التمثيل البرلماني الكردي بكونه( بيضة القبان) في تشكيل الحكومات المتعاقبة.. وكان الاستفتاء على استقلال اقليم كردستان نموذجا واقعيا على ذلك.

خامسا : على الرغم من تكرار الحديث عن اهمية اصلاح العملية السياسية.. الا ان التحالفات الانتخابية ما زالت بذات النماذج لمحاصصة كعكة السلطة والمال العام.. وهذا يحتاج الى فهم متجدد خارج صندوق تضارب الاجندات الحزبية والهويات الفرعية والاعتماد على تفكير عميق لدعم الدولة وليس العكس تماما. هذا غيض من فيض ما افكر فيه في مقاربة ادارة العملية السياسية ما بين إسرائيل الدولة الدينية وتحليل منهجي لادارة نظام المحاصصة وثقافة المكونات الطائفية والقومية عراقيا … للإجابة على السؤال المركزي… من يحكم في بغداد؟؟؟… ويبقى من القول لله في خلقه شؤون!!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى