مقالات

العقيدة ليست ثكنة

احمد عبد الحسين

هناك أناس لا يستطيعون التخفف من طائفيتهم حتى ونحن في غمرة أزمة كبرى كالأزمة التي نمرّ بها.

أولئك هم الذين يتخوفون فقط وفقط من صراع شيعيّ ـ شيعيّ لأنه يهدد قوّة الطائفة، ناسين أن الوطن كلّه ـ وليست طائفتهم وحدها ـ مَنْ يقف على حافّة هاوية لا قرار لها.تسمية الصراع بالشيعي، توحي بأن صراعاً آخر، شيعياً سنياً مثلاً، أمر مقبول ويمكن تمريره تحت عناوين شتى إلا عنوان “الفتنة” الذي يعشقه الإسلاميون.

وهذا الفهم بالذات، هذه النافذة الطائفية التي أطلّ منها الجميع لرؤية المشهد منذ 2003 وحتى اليوم هي السبب الأرأس لكل معضلاتنا.إصرار مدوّنين وسياسيين على تخويف الناس من صراع بين أبناء مذهب واحد، يجعلنا في شكّ من أصل التسمية ذاته، وإلا مَنْ هو الشيعيّ؟ الذين استشهدوا في الاحتجاجات منذ 2011 وحتى تشرين 2019 أليسوا شيعة؟ هل أن عدم انتمائهم لفصائل مسلحة يخرجهم من دائرة التشيّع؟ هل الشيعي هو الذي يحمل السلاح فقط؟ هل أن سلميّة محتجي تشرين تتنافى والشروط التي تجعل المرء شيعياً خالصاً؟ هل الطائفة ثكنة؟ لا يستطيعون التخلّص من هذا الوباء الذي أوصلهم إلى هذه الحال. وبدلاً من النظر إلى المخاطر التي تحيق بالعراق دولة وشعباً وسيادة، يصرّون على النظر من هذا الثقب إلى العالم، يريدون العالم صغيراً ليتلاءم معهم لأنهم صغار، بعقول صغيرة وضمائر أصغر لا تتسع إلا لضغائن الطوائف الألفية التي يكررونها حدّ الدروشة.فرادة احتجاجات العراق “وفي صميمها احتجاج تشرين” أنها كسرتْ متخيّل الطائفيّ عن نفسه وطائفته، ظهر الشيعيّ مولداً وسكناً وانتماءً وهو يحمل علم العراق وحده، واقفاً أمام شيعيّ آخر مدجج بالسلاح ملثّم ويترقبه من فوق في أعلى البناية قناصٌ شيعيّ بلثام وعقيدة.ليس التشيّع ثكنة، وليس الشيعيّ هو المسلّح فقط. هذا فهم أشاعه مشروع خارجيّ خطير للغاية يخدم دولة مجاورة وهو مستقى من أدبيات الأخوان المسلمين، ومن مصنفات سيد قطب تحديداً، وتلاقفه شيعة بعقول ملتاثة وظنوا أنه مشروعهم الموصل للخلاص.ليس الصراع شيعياً ـ شيعياً. الصراع دائماً بين من يريدون دولة ومن يريدون الوقوف الأبديّ أمام هذه النافذة الطائفية التي تريهم العالم ضيقاً كضيق عقولهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى