مقالات

ازدواجية مواقف

د. نزار محمود

إن قراءة السلوك والمواقف السياسية للدول عبر التاريخ يدلل دون شك على ازدواجية قد لا تجد لها تفسيراً لدى كثيرين ممن لم يخبر أحابيل السياسة ودهاليسها. فما دامت السياسة تتعامل مع معطيات الواقع المتغيرة وهي تصبو إلى تحقيق أهدافها الخاصة ومصالحها الدائمة، يصبح أمر التقلبات في مواقفها مفهوماً، وحتى مقبولاً أحياناً. ولم تشذ عن ذلك الدول الغربية في عصرنا الحالي، ومنها بالطبع، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية والدول الاوروبية.وقد تختلف، إلى هذا الحد أو ذاك، الرؤى أو المواقف السياسية باختلاف الحكومات والقيادات السياسية المتعاقبة، إلا أنها، في العموم، تسلك ذات الطريق في منهاج تعاملها مع الدول الأخرى.وبين المثالية والواقعية تتأرجح الدول في تعاملاتها السياسية تلك، أي بين ما تؤمن به من من قيم، وبين ما تسعى اليه من مصالح.فلا يعقل مثلاً أن تعمل حكومة ضد مصالح دولها أو شعوبها، واذا ما حصل شيء من هذا القبيل فهو إما أن يكون على سبيل الخطأ أو الاستثناء أو ربما لغاية مؤجلة أو لغرض في نفس يعقوب!ومع تنامي الاتجاهات المادية، وفي ذات الوقت التطورات في جميع مجالات الحياة، ومنها الحلول الابتكارية، فإن المفاهيم قد جرى ويجري تعديلها استجابة للتغيرات في مجالات الحياة الأخرى. إن مصطلحات مثل المثالية والواقعية، وبالتالي القيم والمصالح طرأ عليها كثير من التكييف في فهمها وأساليبها. وفي هذه المسألة تستجيب السياسة بدرجة أكبر وأسرع من غيرها في الحياة.فالسياسيون هم عتلات التوازن بين الاقتصاد والاجتماع والقيم الثقافية السائدة وغيرها، ووفق منظور ديناميكي لا يقبل الجمود والسكون.وهنا ينقسم الناس إلى فريقين رئيسين:فريق محافظ على مفاهيم تربى عليها وأحبها وهو يحاول صيانتها ويأمل في بقائها،وفريق وجد مصلحته في ما استجد من تفسيرات للمفاهيم وأساليب العيش الجديدة.وهكذا هي الدول الغربية التي أصبحت مصالحها تتقدم على قيمها وهي في فوران تطورها المادي والتقني والتنافسي.لم يعد لكابح القيم من تأثير كبير على سلوكها ومواقفها من القضايا الإنسانية، اللهم إلا ما تحسبه في مصالحها كذلك، أو تضطر اليه لتجنب خسائر تلحق بمصالحهم. من هنا نستطيع أن نفهم ازدواجية سياسات تلك الدول تجاه الدول الأخرى، ومنها دول شرقنا الأوسط العربية ذات مستوى التقدم والقوة المتدني، والتي تحاول مواساة نفسها بامكانية تفعيل دور القيم الإنسانية التي تراجعت في قواميس السياسة الدولية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى