مقالات

الهابطين إلى الجحيم

فراس الغضبان الحمداني

إرحموا عزيز قوم ذل . هذا المثل تكرر دائما وفي كل زمان من أزمنة العراق المستباح الذي تؤدي فيه التقلبات في أحوال الناس بشكل يثير الغرابة ، حيث تصعد فئة من الحضيض إلى القمة وهي لا تمتلك أي مؤهلات إلا النفاق والولاء ، وتهبط فئة من القمة إلى القاع رغم أنها تمتلك كل المؤهلات ، وفي المقدمة من طوابير الهابطين إلى الجحيم هم الشعراء والأدباء والمثقفين والصحفيين والفنانين .وإليكم تفاصيل هذه المسرحية الحياتية التي ما زلنا نعيش في ذروتها الدرامية من 2003 حتى قيام الساعة . كنا وحتى الأمس القريب نتأمل أحوال الفنانين والأدباء والصحافيين ونشعر بالأسى ، لأن النظام السابق قد ضيق عليهم وحاول توظيفهم في الدعاية السياسية ورصد أنفاسهم ، فمن كان يتمادى بالتلميح وليس بالتصريح ليعبر عن قضية ما يجد نفسه في قصر النهاية أو في المقابر الجماعية ، وكلنا يعلم كيف آلت عليه أحوال المبدعين من المثقفين في سنوات الحروب العجاف وما تلتها من سنوات الحصار وكيف أكل فيها الشعب حتى النفايات المخلوطة في طحين الحصة التموينية .ولكن كل الذي جرى كان مبررا ويكفي إننا نصف النظام بالدكتاتوري والقمعي والإستبدادي وهذا الحكم معناه أن النظام الديمقراطي سوف يفتح أبواب الجنة للعراقيين ، ولكن واقع الحال والوقائع اليومية تؤشر لنا زيف الديمقراطية وتقلباتها الخطيرة بتطبيقاتها الخاطئة ، وهيمنة بعض الفئات كانت متعطشة للثروة والمناصب والوجاهات ، فركبت حصان الديمقراطية مستعينة بالعشائرية والحزبية والطائفية فأصبحت الديمقراطية مثل انحسار مفردات الحصة الغذائية… نعم ، فقد صعدت إلى دنيا السياسة بعض الشخصيات كان همها الأول والأخير التعويض عن حرمانها ومظلوميتها هي فقط ، وليس الشعب ، فأسكنت نفسها في القمة وتركت الشعب في القاع يعاني الأمرين من تركة النظام السابق وفساد النظام اللاحق ، وبين هذا وذاك أصبحت أحوال المثقفين وعموم المبدعين لا تقارن بأسوأ حال عرفته البلاد أو البلاد الأخرى في الهند والسند إلى اليابان وحتى في الصومال ، مازال المثقف العراقي هائما على وجه في الغربة يبحث عن لقمة العيش ويطأطأ رأسه لمن هب ودب عسى أن يوفر له فرصة عمل يقتات منها أو تتاح إليه فرصة ليقول كلمته في هذا الزمن العجيب .وتمتد معاناة المغتربين الأدباء والمثقفين و الفنانين لأمور أبعد من الإقتصاد والسياسة ولعل أخطرها ، وهو ما يحز بنفس كل مثقف نبيل ومبدع هو إغترابه من عراقيته وتهميشه ، مما ولد له الشعور بأنه لا يساهم من بعيد أو قريب في بناء تجربته الديمقراطية أو الحصول على حصته الشرعية من خيرات البلاد التي ذهبت إلى زيد وعمر وما بينهما من سيدات وسادة إحتلوا المواقع وأخترقوا كل أجهزة الدولة ونهبوا كل ما يمكن نهبه وبمختلف كل الطرق للإستحواذ على السلطة تماما كما كان يفعل السابقون ربما كان أكثر سوءا . وليست أحوال المثقفين الذين بقوا قابعين في مدن العراق في أحسن حال من الذين هاجروا أو هجروا فهم أيضا أغراب ومهمشون لأن السياسيين أستولوا على الجمل بما حمل ولم يتركوا للشعب إلا الفتات ، والأنكى من ذلك أن بعض هؤلاء الساسة الذين لا يعرفون شيئا في السياسة نصبوا أنفسهم أمراء وخلفاء على الطريقة الأموية والعباسية وأصبحوا ينظرون إلى كل الشعب وخاصة المبدعين ومن سار على دربهم بأنهم مثل الجواري عليها أن تغني وترقص وتتغنج وتتملق لهم وكأنهم السلاطين الجدد عسى أن يمن عليهم بدرجة وظيفية أو مكرمة رئاسية أو حزبية ، وقد يكون الأمر أبعد من ذلك هو الحصول على عفو للإبقاء على حياتهم دون أن تتعرض حياتهم للخطر ، وتعبر هذه الأجندات عن سعادتها حين تقتنص شاعرا وفنانا أو صحافيا حاول أن يغرد خارج السرب .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى