مقالات

طالبان والعملية السياسية في العراق

طالبان والعملية السياسية في العراق _ د. فاتح عبدالسلام

‭ ‬لا‭ ‬أحدَ‭ ‬يعلم‭ ‬ما‭ ‬مدى‭ ‬الالتزام‭ ‬المستقبلي‭ ‬بالتعهدات‭ ‬التي‭ ‬قطعتها‭ ‬حركة‭ ‬طالبان،‭ ‬وهي‭ ‬تفتتح‭ ‬ايامها‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬حكم‭ ‬أفغانستان،‭ ‬لكنها‭ ‬تعهدات‭ ‬معلنة‭ ‬تخص‭ ‬العفو‭ ‬العام‭ ‬وتعليم‭ ‬النساء‭ ‬وعدم‭ ‬التمسك‭ ‬بالسياسات‭ ‬القديمة،‭ ‬بحسب‭ ‬ناطقهم‭ ‬الرسمي‭. ‬لكن‭ ‬في‭ ‬المنظار‭ ‬التحليلي‭ ‬لما‭ ‬جرى‭ ‬للحركة‭ ‬في‭ ‬خلال‭ ‬عشرين‭ ‬سنة‭ ‬يمكن‭ ‬ملاحظة‭ ‬اختلافات‭ ‬مهمة،‭ ‬لاسيما‭ ‬ان‭ ‬الحركة‭ ‬لتوها‭ ‬انتهت‭ ‬من‭ ‬مفاوضات‭ ‬أمريكية‭ ‬مباشرة‭ ‬معهم‭ ‬بشأن‭ ‬الانسحاب،‭ ‬وهذا‭ ‬كان‭ ‬يعني‭ ‬بالضرورة‭ ‬عودتهم‭ ‬للحكم‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬حاجتنا‭ ‬الى‭ ‬تمثيل‭ ‬دور‭ ‬الانبهار‭ ‬بالمفاجأة‭ ‬التي‭ ‬حدثت‭. ‬وبالمقارنة‭ ‬مع‭ ‬الوضع‭ ‬العراقي،‭ ‬في‭ ‬يوم‭ ‬وصول‭ ‬الأحزاب‭ ‬والشخصيات‭ ‬المعارضة‭ ‬من‭ ‬الخارج‭ ‬الى‭ ‬المشهد‭ ‬السياسي‭ ‬مع‭ ‬الاحتلال‭ ‬الأمريكي،‭ ‬بعد‭ ‬سنوات‭ ‬طويلة،‭ ‬نجد‭ ‬ان‭ ‬خطاب‭ ‬العفو‭ ‬وفتح‭ ‬صفحة‭ ‬جديدة‭ ‬كانت‭ ‬من‭ ‬المحرمات‭ ‬السياسية‭ ‬الكبرى،‭ ‬الامر‭ ‬الذي‭ ‬عمّق‭ ‬الانشقاقات‭ ‬المجتمعية‭ ‬والجراحات‭ ‬التي‭ ‬تزداد‭ ‬نزفاً‭ ‬عادةً،‭ ‬عند‭ ‬وجود‭ ‬جيش‭ ‬محتل‭. ‬لو‭ ‬كان‭ ‬خطاب‭ ‬القوى‭ ‬العراقية‭ ‬التي‭ “‬تحكم‭” ‬و‭”‬لا‭ ‬تحكم‭” ‬اليوم،‭ ‬يشبه‭ ‬خطاب‭ ‬حركة‭ ‬طالبان‭ ‬اليوم،‭ ‬في‭ ‬اعلان‭ ‬العفو‭ ‬العام‭ ‬حتى‭ ‬مع‭ ‬أعتى‭ ‬الخصوم‭ ‬وكذلك‭ ‬مع‭ ‬المتعاونين‭ ‬مع‭ ‬المحتل،‭ ‬لربما‭ ‬حصلنا‭ ‬على‭ ‬مشهد‭ ‬عراقي‭ ‬اقل‭ ‬تصدعاً‭ ‬ممّا‭ ‬حصلنا‭ ‬عليه‭ ‬في‭ ‬ثماني‭ ‬عشرة‭ ‬سنة‭ ‬نازفة‭. ‬لا‭ ‬غرابة‭ ‬أبداً‭ ‬المقارنة‭ ‬بين‭ ‬طالبان‭ ‬التي‭ ‬اكتسبت‭ ‬الخبرة‭ ‬وهي‭ ‬مطاردة‭ ‬في‭ ‬الجبال‭ ‬عشريشن‭ ‬سنة‭ ‬انتزعوا‭ ‬الوصول‭ ‬للسلطة‭ ‬بإزاحة‭ ‬المحتل‭ ‬الامريكي،‭ ‬وبين‭ ‬أحزاب‭ ‬وعناوين‭ ‬واشخاص‭ ‬وصلوا‭ ‬مع‭ ‬الدبابات‭ ‬الامريكية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تنحر‭ ‬أبناء‭ ‬جلدتهم‭ ‬وكانوا‭ ‬فرحين‭ ‬سعداء‭ ‬وغير‭ ‬مكترثين‭ ‬أساساً‭ ‬للدماء‭ ‬التي‭ ‬تجري‭ ‬من‭ ‬الجيش‭ ‬العراقي‭ ‬السابق‭ ‬بوصفه‭ ‬في‭ ‬نظرهم‭ ‬جيش‭ ‬الديكتاتور‭. ‬ولكون‭ ‬الهابطين‭ ‬من‭ ‬السماء‭ ‬الامريكية‭ ‬في‭ ‬قاعدة‭ ‬الناصرية‭ ‬والعابرين‭ ‬من‭ ‬معبر‭ ‬المنذرية،‭ ‬كانوا‭ ‬ملائكة‭ ‬يحملون‭ ‬بياض‭ ‬صفائحهم‭ ‬من‭ ‬بياضات‭ ‬البيت‭ ‬الأبيض‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تُوزع‭ ‬بسخاء‭ ‬أعمى‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الأيام‭ “‬البوشية‭” ‬السوداء،‭ ‬بات‭ ‬من‭ ‬من‭ ‬الاستحالة‭ ‬على‭ ‬الملائكة‭ ‬ان‭ ‬يتعاملوا‭ ‬مع‭ ‬ذلك‭ ‬الجيش‭ ‬وعملوا‭ ‬على‭ ‬اقناع‭ ‬الحاكم‭ ‬المدني‭ ‬لجيش‭ ‬الاحتلال‭ ‬بحّله،‭ ‬لتبدأ‭ ‬التداعيات‭ ‬المرعبة‭ ‬منذ‭ ‬ذلك‭ ‬اليوم‭ ‬والى‭ ‬ما‭ ‬يشاء‭ ‬ربك‭. ‬‭ ‬طالبان،‭ ‬تحمل‭ ‬اللحظة،‭ ‬بغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬مدى‭ ‬جديتها‭ ‬او‭ ‬صدقيتها‭ ‬تعهدات‭ ‬وطنية‭ ‬لأفغانستان‭ ‬يسودها‭ ‬العفو‭ ‬العام‭ ‬والمساواة‭ ‬بلا‭ ‬نعرات‭ ‬قومية‭ ‬ودينية،‭ ‬وهو‭ ‬وعي‭ ‬متقدم‭ ‬على‭ ‬الوعي‭ ‬الذي‭ ‬جاءت‭ ‬به‭ ‬الطبقة‭ ‬السياسية‭ ‬لحكم‭ ‬العراق‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬‮٢٠٠٣‬‭. ‬كانوا‭ ‬يسمون‭ ‬أنفسهم‭ ‬سياسيين‭ ‬وأحزاباً،‭ ‬لكنهم‭ ‬حين‭ ‬احتكوا‭ ‬بالواقع‭ ‬العراقي،‭ ‬ظهرت‭ ‬معادنهم‭ ‬الرخيصة،‭ ‬واشهروا‭ ‬سيوفهم،‭ ‬أول‭ ‬ما‭ ‬فعلوا‭ ‬ضد‭ ‬أبناء‭ ‬شعبهم،‭ ‬بحجج‭ ‬الانتقام‭ ‬من‭ ‬الذين‭ ‬تلوثت‭ ‬أيديهم‭ ‬بدماء‭ ‬الشعب،‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬انّ‭ ‬بعض‭ ‬القادمين‭ ‬الجدد‭ ‬كانت‭ ‬أيديهم‭ ‬ملوثة‭ ‬بالأساس‭ ‬منذ‭ ‬كانوا‭ ‬بالخارج‭. ‬يا‭ ‬تُرى‭ ‬هل‭ ‬يعي‭ ‬السياسيون‭ ‬في‭ ‬العراق،‭ ‬الدرس‭ ‬في‭ ‬أفغانستان‭ ‬اليوم،‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬انَّ‭ ‬الأوان‭ ‬ربّما‭ ‬قد‭ ‬فات،‭ ‬وربّما‭ ‬لم‭ ‬يفت‭. ‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى