مقالات

مأساة التعليم في العراق

عبد الرزاق الدليمي

وصلنا ان ونستون تشرشل رئيس وزراء بريطانيا وقائدها العنيد وعقلها المدبر خلال الحرب العالمية الثانية اجتمع قبيل انتهاء الحرب مع وزرائه الذين خدموا معه خلال تلك الفترات الصعبة والتي ربما كان نتائجها خسارة بريطانيا قدراتها وامكانياتها الاقتصادية والعسكرية …وانتهاء اسطورة بريطانيا الدولة التي لا تغيب الشمس عن مستعمراتها في ذلك الاجتماع اراد تشرشل من الوزراء تقيم الاوضاع كل حسب مسؤليته وعندما بدأ كل منهم الحديث العلمي المسهب المدعوم بالاحصائيات والارقام والوثائق لاحظ تشرشل ان الوزراء اسهبوا كثيرا في تصوير الوضع المتردي فقاطعهم ووجه لهم سؤال مفصليا واحدا وهو(ما وضعنا في التعليم والقضاء؟؟!!) فجاءت الاجابة بثقة انهما جيدان..فعلق تشرشل اذن وضعنا سليم. وعندما تم تكليف (مجرم الحرب) توني بلير (رئيس وزراء المملكة المتحدة من عام 1997 إلى عام 2007 وذلك لثلاث فترات رئاسية متتالية، كما رأس حزب العمال منذ عام 1994 ولغاية 2007. )في رئاسة وزراء بريطانيا في المرة الاولى طلبت ملكة بريطانيا منه ان يعطيها ابرز واهم ملامح برنامجه الوزاري وكانت الاجابة مباشرة وواضحة وهي تطوير التعليم في بريطانيا وجعل عدد طلبة الصف الواحد لايزيد عن عشرين!!!اذن هذا حال بريطانيا وربما يأتي قائل ويقول هذه دولة عظمى بمواردها وتاريخها وووو فلنأخذ مثال من( العالم العاشر)جزيرة سنغافورة التي كان يطلق عليها جزيرة الحشرات لكثرة ما فيها من الحشرات …والتي تحولت بارادة شرفاء اهلها الى نموذج يعتد به عالميا سيما بعد ان اهتدوا الى اثمن ماتمتلكه هذه الجزيرة وهم ابناؤها وهم خير مشروع يمكن النجاح فيه كما حدث في اليابان وكوريا الجنوبية وماليزيا وغيرها.يُعد القطاع التعليميّ السنغافوريّ واحداً من أهم مقومات النهضة السنغافوريّة؛ فقد تمكّنت البلاد من النهوض بقطاع التعليم؛ استناداً إلى مبدأ النظام التعليميّ في سنغافورة الذي ينص على “أن كل طفل أو طفلة يملك أو تملك مواهب بطريقة خاصة”، والمبنيّ على تجميع الأطفال ذوي القدرات المتماثلة معاً، مما يجعل من النظام التعليميّ نظاماً فعالاً، وذلك عن طريق توجيه الأطفال للمجال الذي يناسب مهاراتهم وقدراتهم لتعزيزها، فالحفاظ على تطوّر البلاد لا يكون إلا بإنشاء نظام تعليمي متكامل، يتم من خلاله توفير الموارد البشرية التي تحتاجها الدولة، وقد تحقق ذلك بالفعل؛ فقد حظّي نظام التعليم في سنغافورة بمرتبة متقدمة عالمياً، وتمكّنت الجهات المُختصة من مواجهة التعددية اللغويّة والعرقيّة من خلال جعل اللغة الإنجليزية اللغة التعليميّة الرسميّة، ومنح الحق باختيار لغة التخاطب بين الأقران، كما تم تطوير محتوى المناهج، وصقل إمكانيّات الطالب من النواحي البدنيّة والذهنيّة والأخلاقيةّ، ورفع كفاءة المعلمين باعتباره الركيزة الأساسيّة للعمليّة التعليميّة، وتخصيص نحو خُمس الميزانية لقطاع التعليم، وجعل الهدف الأساسي من التعليم إخراج جيل واعد مُتعلم وعلى قدر عالي من المعرفة والثقافة. ترتكز أي دولة ناجحة على وجود قيم أخلاقيّة حسنة، وهذا الحال في سنغافورة التي نهضت وتطوّرت بفضل الاهتمام بالقيم الأخلافية؛ كالمرونة، والواقعيّة، والنزاهة، والترفع عن الأنانيّة، والنظر إلى الأسرة على أنّها المرتكز الأول للمجتمع، وبث قيم التميّز والتفرد والفخر بالذات لدى الأفراد بانتمائهم إلى سنغافورة المتطوّرة والمتعددة ثقافياً، وتعزيز الهُوية الوطنيّة، والمشاركة بالاحتفالات الجماعيّة إحياءً لذكرى المُناسبات الوطنيّة، وتعزيز الانتماء للوطن من خلال التذكير بالإنجازات المحققة في المجالات الفنية، والرياضيّة والاقتصادية، كما تسعى سنغافورة إلى تقويّة العلاقات بين الوافدين والمهاجرين، والتعامل مع منظومة الإعلام مع منحها الحرية الكاملة في نقل الأخبار في ظل سيادة القانون، فكل ذلك وغيره ساهم بشكل كبير في خلق بيئة أخلاقيّة نهضت بسنغافورة في الأمام.كان وطننا العراق قبل احتلاله قد سخر كثير من المقومات التي جعلت منه نموذج متميز في تجارب تعليمية كفوءة وواعدة ففي العراق تتوفر القدرات البشرية الذكية والواعدة والمناسبة لان تؤدي دور متميز وما ينقصها الا وجود قيادة ذكية وواعية مستوعبة ومدركة لما يمتلكه العراق (جمجمة العرب واذكى افراده) من قدرات وعقول قادرة على وضعه في مقدمة الدول التي تتنافس على توفير الطاقات البشرية الكفوءة الملبية لحاجات سوق العمل العربي والدولي.الا ان هذا الهدف الطموح يبدو بعيد المنال امام الظروف التي فرضها الاحتلال على العراق والتي حولته من منطقة الارتكاز العلمي الابداعي المشع الى بؤرة سلبية للاسف تضرب بها كل الامثلة السيئة بالتعليم وغيره ففساد التعليم يعني خراب المجتمع وهذا ما يحدث في العراق منذ 17 عاما ونيف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى