مقالات

ذيل الطائرة والمقاعد المحجوزة

د. فاتح عبدالسلام

أيّ‭ ‬جحيم‭ ‬كان‭ ‬يدور‭ ‬في‭ ‬رأس‭ ‬ذلك‭ ‬الرجل‭ ‬الافغاني‭ ‬الذي‭ ‬تعلّق‭ ‬بالسطح‭ ‬الخارجي‭ ‬للطائرة‭ ‬الامريكية‭ ‬العملاقة‭ ‬أو‭ ‬ذيلها،‭ ‬وهي‭ ‬تقلع‭ ‬بوجهها‭ ‬الأصم‭ ‬العابس،‭ ‬من‭ ‬مطار‭ ‬كابول‭ ‬فترتفع‭ ‬به‭ ‬في‭ ‬أعالي‭ ‬الاجواء‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يسقط‭ ‬منها‭ ‬ميتاً‭. ‬تلك‭ ‬اللقطة‭ ‬برغم‭ ‬فجيعتها،‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬تحضر‭ ‬في‭ ‬اجتماع‭ ‬مقبل‭ ‬أطلقت‭ ‬عليه‭ ‬المستشار‭ ‬الألمانية‭ ‬ميركل،‭ ‬المجلس‭ ‬الأوروبي‭ ‬لبحث‭ ‬الملف‭ ‬الافغاني،‭ ‬لأنَّ‭ ‬الجانب‭ ‬الأمريكي،‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬أحد‭ ‬طياريه‭ ‬يقود‭ ‬تلك‭ ‬الطائرة‭ ‬المخصصة‭ ‬لإخلاء‭ ‬الدبلوماسيين‭ ‬والمتعاونين‭ ‬الأفغان،‭ ‬غير‭ ‬معني‭ ‬بما‭ ‬جرى‭ ‬لذلك‭ ‬الافغاني‭ ‬اليائس‭ ‬الذي‭ ‬سقط‭ ‬من‭ ‬أعالي‭ ‬السماء‭. ‬من‭ ‬دون‭ ‬شك،‭ ‬انَّ‭ ‬ذلك‭ ‬الافغاني‭ ‬المرعوب‭ ‬كان‭ ‬يعمل‭ ‬مع‭ ‬الامريكان‭ ‬أو‭ ‬قريباً‭ ‬من‭ ‬الحكومة‭ ‬الموالية‭ ‬لهم،‭ ‬وليس‭ ‬مواطناً‭ ‬افغانياً‭ ‬عادياً‭ ‬اقتحم‭ ‬مطار‭ ‬كابول‭ ‬بحثاً‭ ‬عن‭ ‬مقعد‭ ‬على‭ ‬رحلة‭ ‬تجارية‭ ‬آمنة،‭ ‬ولكن‭ ‬يبدو‭ ‬جلياً‭ ‬أنّه‭ ‬طوال‭ ‬عشرين‭ ‬سنة‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬العلاقة‭ ‬الآثمة‭ ‬بين‭ ‬ابن‭ ‬البلد‭ ‬والمتدخل‭ ‬الأجنبي،‭ ‬لم‭ ‬يصل‭ ‬عقله‭ ‬الى‭ ‬مرحلة‭ ‬النضج‭ ‬لكي‭ ‬يميز‭ ‬بين‭ ‬طائرة‭ ‬تقلع‭ ‬من‭ ‬المطار‭ ‬وبين‭ ‬باص‭ ‬أو‭ ‬حافلة‭ ‬نقل‭ ‬الركاب‭ ‬أو‭ ‬قطار‭ ‬يمكن‭ ‬ان‭ ‬يكون‭ ‬التعلّق‭ ‬بسطحه‭ ‬الخارجي‭ ‬سبباً‭ ‬للنجاة‭. ‬من‭ ‬الصعب‭ ‬جداً،‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬الدعاية‭ ‬السياسية‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تحتاج‭ ‬الى‭ ‬مليارات‭ ‬الدولارات،‭ ‬أن‭ ‬تعيد‭ ‬صورة‭ ‬الأمريكي‭ ‬المنقذ‭ ‬غير‭ ‬المتخلي‭ ‬عن‭ ‬حلفائه‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬تدوس‭ ‬قدمه‭ ‬ترابها‭ ‬تحت‭ ‬لائحة‭ ‬أسباب‭ ‬التعاون‭ ‬والمساندة‭ ‬والعمل‭ ‬المشترك‭. ‬لكن‭ ‬الصورة‭ ‬ليست‭ ‬أمريكية‭ ‬حصراً،‭ ‬كما‭ ‬تريد‭ ‬إيران‭ ‬وروسيا‭ ‬والصين‭ ‬أن‭ ‬تصورها‭ ‬لمصلحتها‭ ‬السياسية‭ ‬الانتقامية،‭ ‬وانّما‭ ‬هي‭ ‬صورة‭ ‬علاقة‭ (‬الذيول‭) ‬في‭ ‬كل‭ ‬البلدان،‭ ‬وفي‭ ‬مقدمتها‭ ‬العراق،‭ ‬عندما‭ ‬تفشل‭ ‬الخيارات‭ ‬الوطنية،‭ ‬برغم‭ ‬المدى‭ ‬الزمني‭ ‬الكبير،‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬القاسم‭ ‬المشترك‭ ‬لرابطة‭ ‬بناء‭ ‬البلد‭ ‬ووحدته‭ ‬والحفاظ‭ ‬على‭ ‬ثرواته‭ ‬ومستقبل‭ ‬اطفاله‭. ‬‭ ‬وذلك‭ ‬المواطن‭ ‬الافغاني‭ ‬الضحية‭ ‬ذاته،‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬عميلاً‭ ‬لدولة‭ ‬اجنبية‭ ‬بقدر‭ ‬كونه‭ ‬صاحب‭ ‬خيار‭ ‬مختلف‭ ‬عن‭ ‬الخيارات‭ ‬المتشددة‭ ‬التي‭ ‬يتوقع‭ ‬عودة‭ ‬فرضها‭ ‬عليه،‭ ‬وانّه‭ ‬أدرك‭ ‬أنَّ‭ ‬عشرين‭ ‬سنة‭ ‬من‭ ‬التدخل‭ ‬الأجنبي‭ ‬في‭ ‬بلاده‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬معنية‭ ‬بالتقريب‭ ‬بين‭ ‬المجموعات‭ ‬والقوى‭ ‬الأفغانية‭ ‬بما‭ ‬يؤمن‭ ‬لهم‭ ‬التلاقي‭ ‬المشترك‭ ‬وتقبل‭ ‬الآخر،‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬الامر‭ ‬مع‭ ‬حركة‭ ‬طالبان،‭ ‬التي‭ ‬انهالت‭ ‬عليها‭ ‬في‭ ‬ساعات‭ ‬عروض‭ ‬التعامل‭ ‬الروسية‭ ‬والصينية‭ ‬وسواها‭ ‬الكثير‭. ‬رئيس التحرير-الطبعة الدولية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى